لا أعتقد أن ما يحدث في بعض المخيمات الدعوية من صعود بعض الشباب على خشبة المسرح وإعلانهم عما كانوا يرتكبونه من معاصٍ وعزمهم على التوبة منها أمر يتصل بحقيقة ومغزى التوبة من الذنب، والتي ينبغي لها أن تكون عقدا وعهدا بين المرء وربه، بل لعلي أرى أن تلك التوبة التي يجاهر فيها أولئك التائبون من الذنب بما كانوا يرتكبونه من المعاصي خروج عن الستر الذي يعد أصلا في الشرع ومقاربة للجهر بالإثم الذي يعد ذنبا لا يقل جرما عن الذنب الذي يتم ارتكابه، وقد كان الأولى والأجدر بأولئك التائبين أن يستروا على أنفسهم عند التوبة ما ستره الله عليهم حين ارتكابهم للإثم، لا أن يجعلوا من التوبة بابا لهتك سرهم والمجاهرة بالآثام والخطايا التي سترهم الله عن أن يطلع عليها أحد حين ارتكبوها. وإذا كان بعض الدعاة يرى أن في إعلان التوبة من على خشبة المسرح تأكيدا وترسيخا للتوبة في أنفس التائبين وتشجيعا لغيرهم من العصاة على أن يحذوا حذوهم في التوبة من ذنوبهم وآثامهم، فإن ذلك لا يقتضي الاستغراق في الحديث عما ارتكبوه من معاصٍ وما اقترفوه من آثام على نحو ما يفصح عنه الخبر الذي يتحدث عن «إعلان أكثر من 350 شابا توبتهم إلى الله على مسرح الخيمة الشبابية بملتقى (شباب الخبر)، وعزمهم على ترك السلوكيات الخاطئة بحياتهم بعد أن تشجع العشرات منهم صاعدين أمام الجمهور، حتى يتم حذف المقاطع غير الأخلاقية بهواتفهم وتحطيم علب السجائر ومخالفات أخرى يحملونها، فيما كشف الكثير منهم داخل الخيام الدعوية عن عقوقه لوالديه وتركه للصلاة وارتكاب المعاصي، مؤكدين ندمهم حيث انهمرت دموع بعضهم ساجدين توبة إلى الله». وقد كان الأحرى بالجهات المنظمة لهذه التوبة من على خشبة المسرح أن تتحرز من مثل هذه المجاهرة بارتكاب المعاصي عند الرغبة في التوبة؛ لما في ذلك من شبهة التشبه بطقس الاعتراف الكنسي التي تشترط الاعتراف بالإثم حتى يتحقق الغفران لمن أقدم عليه، ولعل الاعتراف الكنسي الذي يتم أمام راعٍ وحده أكثر سترا من المجاهرة بما كان يرتكب من آثام أمام الجمع الغفير من الناس الذين يحضرون هذه المناشط الدعوية، والتي يبدو من حرصها على نشر أخبار تلك التوبات الممسرحة التأكيد على ما تحققه من نجاحات في هذا المضمار.