التقى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أمس للمرة الثانية بالرئيس الايراني حسن روحاني في نيويورك. كتابة هذا التعليق حول الموضوع تمت قبل لقاء الرئيسين. ولكن سنة بعد لقائهما الاول في المكان نفسه ليس هناك أي تقدم في أي ملف يهم فرنسا على صعيد السياسة الايرانية. جميع خطوات ايران في سورية او في لبنان او في الخليج، حيث تدعم الحوثيين بقوة في اليمن، تبعث على التشاؤم من القيادة الايرانية التي ارادت ان تظهر ان ايران تغيرت منذ عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. فدول الخليج كانت مصرة على عدم حضور ايران المؤتمر الدولي لمكافحة «داعش» الذي نظمه الرئيس الفرنسي مع نظيره العراقي. وصحيح ان لإيران وزن كبير في المنطقة ولكنه تخريبي اكثر منه ايجابي. فمساعدة النظام الايراني في سورية عسكرياً ومالياً مكلفة للنظام الايراني ولكنها اولوية في حماية نظام مجرم اسقط اكثر من ١٩٠ ألف قتيل وهجر الملايين وأطلق وحش غذاه في سجونه («داعش») واستخدمه في البداية الى ان راح يهدده. اما في لبنان حيث دعم ايران لـ»حزب الله» كان في صلب المحادثات بين الرئيسين السنة الماضية، فالدعم الايراني مستمر بل يزداد ويترك «حزب الله» يتورط في المستنقع السوري الى جانب النظام ويجر لبنان الى المزيد من المخاطر ومآسي الخطف والعنف. وما زال لبنان من دون رئيس وما زال الحزب يختبئ وراء وفائه للمرشح ميشال عون. لكنه بالفعل مرتاح لفرض رغبته بالنسبة للرئيس المقبل. أما الملف النووي الايراني فالموعد المقبل بين الدول الست وايران في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) والتوقعات تشير الى استمرار ايران على موقفها الرافض لإيقاف تطوير السلاح النووي. ورغم كل ذلك، ترى باريس فائدة من الحوار مع ايران خصوصاً ان هنالك عدداً من الديبلوماسيين في الخارجية الفرنسية مقتنع ان الحوار مع ايران ادى الى التخلص من نوري المالكي في العراق. ولكن تخلي ايران عن المالكي كان لمصلحة ايران في العراق. واقتضت ذلك هجمة «داعش» الوحشية وتقدم هذه المجموعة في الاراضي العراقية وتهديد الاكراد وهم اصدقاء ايران. كل ذلك ادى الى تغيير موقف ايران من المالكي. كثيرون في مجال قطاع الاعمال في اوروبا في باريس ولندن يتمنون عودة العلاقات مع ايران. ولكن الامور ما زالت غير ناضجة كي تسفر القمة الفرنسية - الايرانية عن نتيجة ملموسة. قد يكون هناك اتفاق بين البلدين على مكافحة «داعش» في العراق ولكن ماذا عن سورية ؟ فباريس لم تشارك حتى الآن في الضربات ضد «داعش» في سورية لانها تتخوف من أن قصف اماكن وجود «داعش» سيؤدي الى تسليمها لجيش النظام السوري. في كل الأحوال ضرب الولايات المتحدة «داعش» في سورية لا يحتاج الى القصف الجوي الفرنسي القائم بشكل مستمر في العراق. فسبق لهولاند ان قال ان العراق طلب منه التدخل ولكن ذلك لن يحدث في سورية. لكن الادارة الأميركية لم تنتظر طلب أو تنسيق مع النظام السوري لضرب «داعش» فيه. وقد اخبر العسكريون الاميركيون النظام السوري بأنهم سيضربون «داعش» في سورية من دون التنسيق مع النظام وليس بعد استئذانه بحسب معلومات «الحياة». وتزداد الاوضاع في سورية سوءاً يوماً بعد يوم، ومطالبة بعض المثقفين العرب في الصحف البريطانية والاميركية بحل سياسي مع بشار الاسد خطأ تقدير لأنه مع حليفه الايراني والروسي هو الذي اطلق كل الوحشية والكوارث على سورية فيما تأخر الغرب كثيراً، وترك سورية تحترق وتدمر وهي على طريق التفكك من دون اللجوء منذ البداية الى حل جذري وقوي لإخراج بشار الاسد ومجموعته، وإيقاف المجازر في سورية وترك تغلغل وحوش «داعش» والقاعدة والنصرة. فالحوار الفرنسي - الايراني كما حوار رئيس الحكومة البريطانية دايفيد كاميرون مع روحاني سيخرج الرئيس الايراني من عزلته من دون أي تغيير في سياسة دولته الاقليمية والعالمية. قد تكون لمثل هذه اللقاءات إفادة في تحليل المواقف على ضوء المستجدات من دون توقع الكثير منها.