لكل مدينة هويتها ولغتها وأسماء شوارعها التي تدل عليها، إلا مدينة القدس المحتلة، إذ اختارت سلطات الاحتلال الإسرائيلي لشوارعها أسماء لا تدل عليها، وإنما تدلّ على مساعيها الرامية الى تغيير ملامح المدينة من فلسطينية الى إسرائيلية. تصطدم عيون السائرين في القدس القديمة، بأسماء شوارع عبرية كانت قبل احتلال المدينة عربية، فشارع الواد تغيّر الى شارع «هجاي»، وشارع خان الزيت أصبح شارع «حباد» وهكذا. كما جرى تغيير أسماء الحواري والتجمّعات السكنية، فحوش الشهابي أو باب الحديد أصبح اسمه «الحائط الغربي الصغير»، وحي وادي حلوة أصبح اسمه «عير دافيد»، وحي الفاروق أصبح «نوف تسيون». وأعادت بلدية القدس الإسرائيلية أخيراً تجديد اليافطات الصغيرة القديمة التي بدت «خجولة»، الى يافطات كبيرة تحمل أسماء اختارتها سلطات الاحتلال لشوارع المدينة وأحيائها وأبوابها. وحمل بعض هذه اليافطات أسماء عبرية للشوارع والأحياء والأبواب، وحمل بعضها الآخر أسماء مشتركة عبرية وعربية. ومن الأسماء المشتركة اللافتة التي وضعت على جميع أبواب المسجد الأقصى، وكتب عليها «جبل الهيكل - الحرم الشريف». وقالت الباحثة والناشطة في القدس عبير زياد لـ»الحياة»، إن البلدية الإسرائيلية للقدس بدأت منذ عامين بحملة لتغيير أسماء الشوارع والأحياء والأحواش والتجمعات في القدس، مشيرة الى أنها غيرت أسماء 300 شارع وموقع في هذه الحملة. وشملت التغييرات الجديدة، وضع يافطات تعريفية على المباني الأثرية في القدس تحمل تلخيصاً لتاريخ تلك المباني من وجهة نظر إسرائيلية. وقالت عبير إن المعلومات التعريفية التي وضعت على هذه المباني، تكرّس الرؤية الإسرائيلية للقدس بأنها مدينة يهودية، وتستثني منها أية معلومات تشير الى التاريخ الإسلامي والمسيحي للمدينة. وأضافت: «تريد إسرائيل للسائح الأجنبي القادم الى القدس، معرفة أن هذه مدينة يهودية لا علاقة للفلسطينيين من مسلمين ومسيحيين بها». ويتدفّق سنوياً ملايين السياح والحجاج من أنحاء العالم على مدينة القدس. وغالباً ما تقود مكاتب السياحة الإسرائيلية جولات السياح والحجاج الأجانب، وتقدّم لهم روايتها للمدينة. لكن، هناك سياح وحجاج يأتون الى المدينة بصورة فردية، ويتجوّلون فيها، ويصلّون في كنائسها ومساجدها، ويزورون مبانيها الأثرية التي يبلغ عددها المئات. وقال الباحث في شؤون القدس أحمد صب لبن لـ»الحياة،» إن السلطات الإسرائيلية أعادت تسمية أسماء شوارع القدس القديمة عقب احتلالها، مضيفاً: «كانت هناك شوارع بلا أسماء تم إطلاق إسماء جديدة عليها». وكتبت أسماء الشوارع على اليافطات باللغات الثلاث: العربية والعبرية والإنكليزية. وقال صب لبن إن المستوطنين في البلدة القديمة دأبوا على شطب الكتابة العربية والإبقاء على العبرية والإنكليزية. واستولى المستوطنون، عقب احتلال القدس، على عشرات البيوت والمباني في البلدة القديمة التي لا تتجاوز مساحتها الكيلومتر المربع الواحد، وأقاموا فيها 70 بؤرة استيطانية في الحيين المسيحي والإسلامي يقطنها حوالى ألف مستوطن. يضاف الى هؤلاء حوالى 2500 مستوطن يقطنون الحي اليهودي الذي لم يكن يقطنه أي يهودي قبل احتلال المدينة عام 1967. وقال رئيس دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس الشيخ عبد العظيم سلهب، إن البلدية وضعت يافطات جديدة على جميع أبواب المسجد الأقصى المبارك، تحمل اسماً مشتركاً للمسجد وهو «جبل الهيكل - الحرم الشريف». وأضاف أن الهدف من وراء هذه اليافطات، محاولة تكريس الإسم العبري للمسجد الاقصى وهو «جبل الهيكل»، تمهيداً لتهويده. وتزعم إسرائيل بأن المسجد الأقصى مقام على أنقاض «الهيكل الثالث». وتطالب جماعات وقوى وحركات إسرائيلية بإعادة بناء الهيكل المزعوم في ساحات المسجد الأقصى. واتبعت السلطات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، سياسة جديدة في المسجد تقوم على تقسيمه زمانياً، عبر السماح لمجموعات من اليهود بالدخول الى باحاته في فترات السياحة الأجنبية التي تجري بين السابعة والنصف صباحاً والحادية عشرة والنصف قبل الظهر، وهو أمر اعتبره الفلسطينيون تقسيماً زمانياً للمسجد بين المسلمين واليهود، محذّرين من أنه يشكل مقدمة لتقسيم مكاني وجغرافي للمسجد البالغة مساحته 144 دونماً. وقال الشيخ سلهب: «تعمل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على فرض سيطرتها على القدس وعلى المسجد الأقصى بصورة تدريجية، عبر إجراءات حثيثة، منها تغيير المعالم والأسماء، والسماح لليهود بالدخول الى باحات المسجد وإقامة الطقوس الدينية فيه». ويرد الفلسطينيون على السماح لليهود بالدخول الى باحات المسجد، بالرباط الدائم في المسجد، ومنع اليهود من إقامة أية طقوس دينية في باحاته. لكن السلطات الإسرائيلية ترفض السماح لهم بالبقاء في المسجد بعد انتهاء الصلوات. وغالباً ما تحتجز بطاقات المصلين على أبواب المسجد لإجبارهم على الخروج فور انتهاء الصلاة.