في آخر حوادث غرق القوارب الهاربة المهاجرة كانت المحصلة الأليمة قرابة 300 من الدولتين الإفريقيتين إرتيريا والصومال! مأساة تتكرر باستمرار، والضحايا من معظم دول العالم الفقيرة جدًّا، بل وحتى الفقيرة نسبيًّا. ومن لم يحاول الهجرة عن طريق القوارب حاول من خلال عبور الحدود البرية بكل ما فيها من مخاطر ومصاعب. وحتى من شمال إفريقيا الذي هو عربي خالص هاجر عشرات الألوف بحثًا عن حياة أفضل. هذه إحدى المعضلات الإنسانية العويصة التي يتحمّل مسؤولياتها إضافة إلى حكام الدول المصدرة للمهاجرين، أولئك الحكام المستعمرون السابقون. لقد عاث الرجل الأبيض فسادًا في الدول الإفريقية التي احتلها، واستغل ثرواتها، وحطم مبادئ الأنفة والكرامة لدى شعوبها، ثم رحل عنها وترك فيها أنظمة بالية وعادات هابطة واتكالية عجيبة، وألبس كل ذلك لبوس انتصارات شعوبها، فذهبت تحتفل كل عام رقصًا وطربًا وفرحًا بزوال المحتل، في حين ظلت للمحتل بصماته القوية وركائزه الخفية وطوابيره المتمكنة. وهكذا تراجعت مسيرات التنمية في هذه الدول البائسة، التي لم تبدأ أصلاً! وكيف لها أن تبدأ وكل فريقين يختصمان، وكل قبيلتين تحتربان! لقد هلك الضرع، وتفشى الجهل، وانتشر المرض، وتولّى الأمر غالبًا أتباع المحتل الذين طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد. هل سمعتم بزعيم مثل موغابي يُصرِّح بأنه رئيس للأبد! وأن الأرض أرضه والدولة ملكه لا يجوز أن ينازعه فيها أحد. هذه المشكلات الجذرية العميقة لم يكن لها يومًا أي موضع اهتمام على مستوى الأمم المتحدة عدا برامج باهتة للتنمية هنا وهناك، ولمكافحة أمراض يُخشى أن تنتقل إلى الغرب، فهم يخافون العواقب ولا يهتمون بأصل البلايا والرزايا. الأمم المتحدة مثلاً تهتم بقضايا التلوث المناخي، والاحتباس الحراري أكثر من اهتمامها بالتدهور الاقتصادي والإنساني والحيوي في إفريقيا السوداء، والتي يموت بسببها عشرات بل مئات الألوف صغارًا وكبارًا، وأطفالاً ونساءً، فضلاً عمن يموت غرقًا أو جوعًا وعطشًا. لن تنجح الأمم المتحدة إلاّ إذا اتّحدت على الخير، وعلى مكافحة الظلم وقهر الاستبداد، ونشر شيء من العدل والمساواة. يا ليت للعالم اليوم حلفًا كالحلف القديم الذي أسمته الجاهلية (حلف الفضول). salem_sahab@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (2) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain