كان في رومانيا في القرن السادس عشر قانونٌ غريب، اسمه قانون رخصة الخبز. كيف يعمل هذا القانون؟ ادعى الحاكم أنه حريص على الشعب، وبما أنه حريص جدا وقلبه على الشعب، فلا بد أن يهتم بأهم عناصر العيش لكل مواطن من مواطنيه، وبرأيه الظاهر، وأضم صوتي معه، وهو رغيف الخبز. لذا كانت أصعب رخصة مزاولة عمل هي رخصة الخبازين. خذ مثلا ماذا كان يفعل مفتش البلدية (حقّهم!) يدخل للخباز ويقول له: أريدك أن تخبز لي خبزةً على شكل هلال وسآتيك بعد نصف ساعة وآخذها. يأتي المفتش بعد نصف ساعة ويحضر الخباز المسكين الخبزة على شكل هلال. يطالعها المفتش ويقول له: لا يا أخي إيش هذا؟ الطرفان غير متساويين، أصلحهما وأمر عليك بعد نصف. بعد نصف ساعة يعود المفتش نافشاً ريشه، ويحضر الخبازُ مرتعشا الخبزةَ الهلال، والطرفان مضبوطان بالمقاس. ثم يقلبها المفتش ويقول:ولكني أردت الهلال أنحف في الوسط.. وهكذا حتى يسقط الخباز. إذن لم تكن المسألة إدارة دقيقة ولا صالحة، فلم تكن الأسئلة عن نظافة المحل أو مواصفات القمح أو حجم الخبز، كما يفعل هنا ربعُنا الطيبون. قد يكون الحاكم يريد أن يشبع بطونَ مواطنيه خبزاً جيداً، ولكن الإجراءات التي تقصد عدم منح رخصة الخباز أحدثت شيئاً آخر. فطِنَ الخبازون لغرض هؤلاء المفتشين ففتحوا في الأزقة ابوابا خلفية لمحلاتهم، فيأتي المفتشُ من الباب الأمامي ويتسلط على كيفه بالشروط التي تتوالد.. بينما الخباز يكاد يموت ضحكا من داخله، لأن الباب الخلفي شغال.. حَدَّه!. وفي وطننا، وأي وطن، أهم عناصر الوطن هم الشباب. وإذا كان الشبابُ يريدون أن يخدموا وطنهم فمنطقاً أن يحّثّوا ويساعَدوا. أقول دوما للشباب رأياً أدعي صحته وهو:أنكم تنتمون لما، أو لمن، تخدمونه. وليس لمن يخدمكم ويريحكم. أوضح ؛ أقول للشباب عندما تسلم سيارتك للعامل لينظفها يوميا فلن تأبه لو تسبب أحدٌ في توسيخها.. لأن العاملَ سيأتي في الغد ويزيل الوسخ. ولكن لو أنت غسلت سيارتَك يكون هنا الانتماء الحقيقي للسيارة.. فيا ويل من يجرؤ ويسبب أي وسخ للسيارة، ولو غبارةً يتيمة. وترون هنا أن الانتماءَ للمخدوم. وكذلك الفتاة التي تترك غرفتها للعاملة لا تأبه لو لطخها أخوانُها الصغار لأن صرخة واحدة على العاملة كافيةً لتأتي مفزوعة وتنظف. لو أن البنت هي التي ترتب وتنظف غرفتها، فإني أجزم أن بابَ الغرفة سيكون مقفولا طيلة الوقت، وسيكون تصريح دخول غرفتها أصعب من رخصة الخبز الرومانية!. إذن، عندما نترك الشباب يخدمون تطوعا هذا الوطن على أرضه ولأهله بكل مجال يحصل الانتماء للمخدوم، أي للوطن.. وأرض الوطن، ومن يحكم الوطن. إن تحجير الترخيص وتثقيل الإجراء، سيجعل الشباب بضرورة القانون الفيزيائي للطاقة يفتحون أبوابَ الأزقّة الداخلية، وهذا حدث قليلا، ولا نريد ان يتسع كثيراً. أمير المنطقة الشرقية سعود بن نايف، وحرمه الأميرة عبير بنت فيصل، انتبها وبقوة لأمر الشباب وهذه من عناصر الدراية والإدارة الماهرة لأي مجتمع. حرص الأميرُ على تشجيع أي عمل شبابي مهما صغر - وأعرف بالضبط ماذا تعني مهما صغر - وكل صغير يكبر، ويتشجر ويثمر ثمرا يانعا. وها هي الأميرة عبير وبحصافة واسعة تجمع العمل التطوعي والخدمي النسائي بكافة أنواعه ومجالاته، لتنظيم العمل وتنسيقه، أي بث الفيتامينات الصحيحة في جسم العمل النسائي الاجتماعي بكل المنطقة ليكون جسماً متعافيا. واقول لسموّ الأمير وسمو الأميرة.. أعدكما، بإذن الله، لن يخذلكما الشباب.