في بادئ الأمر سأتطرق لدور وسائل الاتصال في التأثير على التنشئة الاجتماعية للفرد، وسأعتمد بشكل كبير في التحليل الفني للدراما بوطننا على الدراسات الاجتماعية «الوطنية» وبعض المعلومات النفسية بالإضافة إلى المسرح الأكاديمي... من خلال دعم ركائز مقالي بها. في الحقيقة تعتبر وسائل الاتصال واحدة من الوسائل التي تتنافس مع الوالدين في مجال التنشئة الاجتماعية للفرد، لدرجة أن البعض اضطر إلى تسميتها بالوالد الثالث Third Parent. وذلك يرجع لأسباب عدة مثل: أن الوقت الهائل الذي يقضيه النشء «خاصة» مع التليفزيون أدى إلى استخدامه كجليس للأطفال Baby Sitter، بالإضافة إلى استخدام التلفزيون كأداة للثواب بالسماح للأطفال بمشاهدته أو أداة للعقاب من خلال حرمان الأطفال من مشاهدته. ولا تمدنا وسائل الاتصال - وأهمها التليفزيون وما يحتويه من برامج وأفلام - بمعلومات عن أحدث الموضات وأنماط مختلفة يعيشها البشر فقط، بل تشبع حاجاتنا أيضاً للتعرف على أنفسنا ومقارنة حياتنا بالآخرين، والعلماء السلوكيين يفسرون هذه الظاهرة بما يسمونه نظرية المقارنة الاجتماعية Social Comparison Theory، وطبقاً لهذه النظرية فإننا نميل إلى تقييم آرائنا وقدراتنا وسلوكنا بمقارنتها مع الآخرين. وللتنشئة الاجتماعية أهمية كبرى في حياة المجتمعات، إذ انها تقوم بوظيفتين في غاية الأهمية للمجتمع وهما: 1- المحافظة على النظام الداخلي للمجتمع وتماسكه. 2- تعليم القيم والأدوار ونمط السلوك والقدرة على نقل القيم من جيل إلى آخر. وتوضح دراسة طريفة أُجريت في جامعة نبراسكا Nebraska أهمية الدور الذي يلعبه التليفزيون في التنشئة الاجتماعية، فلقد أجرت الجامعة مسحاً قومياً حيث سُئل الأطفال: «إذا كان عليك أن تختار بين أبيك وبين التليفزيون فأيهما ستحتفظ به؟» وكنت النتيجة أن أكثر من نصف العينة اختاروا الاحتفاظ بالتليفزيون. نستنج من كل ما سبق أن للتلفاز أثرا أساسيا جداً في بناء الفرد في أي مجتمع تقدم محتويات متنوعة وعديدة تستهدف جميع المراحل العمرية وجميع الأذواق. فإذاً لابد أننا استنتجنا أن محتوى المواد الإعلامية عموماً هي التي تبني التشكيل المعرفي -الفكري والثقافي والاجتماعي والنفسي والتربوي والسلوكي وحتى العلمي لدى الفرد بالمجتمع، إذا فلا بد لدينا أن ننظر لواحد من أهم المواد المقدمة للفرد في جميع مراحل حياته من خلال متابعته للتليفزيون، ألا وهو «الفن الدرامي»، فلا شك أن الدراما يمكنها أن تقوم بدور كبير في إحداث التنمية الشاملة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية ..إلخ. وذلك من خلال أن تدعوا الدراما لدينا إلى زيادة الإنتاج وترشيد الاستهلاك وحب العم والمعرفة والتحلي بالقيم الإيجابية والبعد عم القيم السلبية، وإعلاء نماذج قدوة للشباب ولكافة أفراد المجتمع، كما يمكن أن تزيد هذه الأعمال الدرامية من الانتماء للوطن وغيرها من القيم النبيلة. إن عشرات الكتب والخطب الرنانة قد لا تؤثر في الجمهور مثلما يؤثر فيه فيلم راق أو مسلسل هادف. وتذكر (الصغير، 2008م) في بحث لها عن تأثير وسائل الإعلام أن كثيراً من الدراسات أثبتت أن برامج الدراما من مسلسلات وأفلام تأتي في مقدمة البرامج الإعلامية المفضلة لدى الجمهور. (بيئة مصرية) ولو تطرقنا للفن أو الدراما بالمملكة، ونظرنا لها من منظور أكاديمي مسرحي أو حتى نفسي -اجتماعي، لوجدنا عيوبا عدة للأسف تشوب هذه الأعمال.... سواء في الفكرة الدرامية والشروط التي يجب تواجدها في الفكرة أو الشخصيات الدرامية أو التصوير أو الحبكة الدرامية أو الصراع والحوار الدرامي أو المؤثرات الفنية للبناء الدرامي. وما سبق ذكره - آنفاً - يدل على عدم توفر البناء الأكاديمي الرصين لفريق العمل الدرامي، وذلك من خلال غياب الأقسام الأكاديمية في الجامعات السعودية تحديداً، وندرتها في الخليجية عموماً. ومن أهم السلبيات التي نراها في الدراما السعودية «عموماً» هي: بعدم تصديق الناس للدراما المقدمة لهم... وقد يعود هذا إلى تركيز الدراما لدينا على شرائح معينة في المجتمع دون غيرها أو التركيز على قضايا تافهة وغير هامة، وفي هذا يمكننا أن نقول إن الناس إذا وجدت نفسها ومشاكلها في الدراما المقدمة فلسوف ترتبط بهذه الدراما وتنتبه لها وتهتم بها بشكل كبير، فلا يعقل أن يكون التركيز على قضايا الحب والغرام وقضايا الطبقات الغنية في المجتمع وإغفال ما عدا ذلك من الطبقات أو القضايا. وأما سبب تدني الدراما في المجتمع السعودي «تحديداً» وقلة متابعة أفراد المجتمع لها تبينها الدراسة التي أجراها الفوزان (1426هـ) حول البرامج الإعلامية المفضلة لدى طالبات المرحلة الجامعية في المجتمع السعودي. الدراسة الأولى/ البرامج الإعلامية المفضلة لدى طالبات المرحلة الجامعية في المجتمع السعودي. مجتمع الدراسة: وأُجريت الدراسة على طالبات السنة الأخيرة لكل من جامعة الملك عبدالعزيز «بجدة» وجامعة الملك فيصل «بالدمام» (حيث بلغت عدد الاستبانات المعبئة 261 من جامعة الملك عبدالعزيز بنسبة 67.1% من إجمالي العينة، و 128 استبانة من جامعة الملك فيصل بنسبة 32.9% من إجمالي العينة). وكان التوزيع للاستبانات وفق المتاح من الطالبات شريطة التنوع في التخصصات والكليات. نتائج الدراسة: وأظهرت الدراسة أن البرامج والمواد الإعلامية ذات الطابع النفسي والاجتماعي تحظى بأكبر قدر من متابعة مفردات العينة بنسبة بلغت 85,9%، وتحتل البرامج والمواد الإعلامية الطبية في المرتبة الثانية من حيث المتابعة بنسبة بلغت 82,3%، ثم البرامج والمواد ذات الطابع الديني في المرتبة الثالثة بنسبة 79,4%، فالبرامج والمواد الإعلامية ذات العلاقة بالموضة في المرتبة الرابعة بنسبة 72,8%، ثم الأفلام والمسلسلات في المرتبة الخامسة بنسبة 60,4% ، يليها البرامج والمواد الإعلامية ذات العلاقة بالمطبخ في المرتبة السادسة بنسبة 46,5% ، ثم المواد الغنائية في المرتبة السابعة بنسبة 39,1%، فالبرامج والمواد الإعلامية ذات الطابع السياسي في المرتبة الثامنة بنسبة 30,8، وأخيراً البرامج والمواد الإعلامية الرياضية بنسبة 17%. وبذلك يتضح لنا أهمية الدراما أو الفن لدينا في المجتمع السعودي تحديداً، حيث إنه احتل المركز الخامس من 9 مواضيع، ولو توفرت لنا المواد الدرامية الذين تابعنها هؤلاء الطالبات لوجدنا أنها وبكل أسف هي مواد غير عربية في غالبها. نتمنى ونأمل أن تتطور صناعة الدراما لدينا في مجتمعنا السعودي «خاصة» والخليجي «عامة»، فبهذه الصناعة يتم بناء اللبنة الأولى لأي مجتمع (ألا وهو الفرد).