أبدا لا توجد مفاجأة في ما حدث في صنعاء يوم الجمعة؛ لأنها خطوة متوقعة ومنتظرة في أي لحظة بعد أن تمت للحوثيين السيطرة الكاملة على القرار وإدارة اليمن بالشكل الذي تريده كنتيجة طبيعية للسيناريو الذي بدأ في سبتمبر الماضي بالزحف إلى العاصمة واحتلال المؤسسات الرسمية وفرض واقع جديد. البيان الانقلابي رقم واحد لم يكن الإعلان الدستوري يوم قبل أمس، بل كان التحرك من مركز القيادة في صعدة واكتساح كل الجغرافيا وصولا إلى صنعاء بشكل غير مسبوق في تاريخ حركات التمرد والانقلابات، مسيرة هادئة واثقة دون أي مقاومة وتسليم فوري لكل مفاتيح الحكم. كذلك، لا فائدة الآن من استرجاع كل النظريات والفرضيات التي جعلت ذلك السناريو ممكنا، وصولا إلى حدث الجمعة، سواء التواطؤ أو التحالفات أو الصفقات أو الدعم الخارجي والداخلي أو تصفية الحسابات أو مقايضات المشاركة في التركيبة السياسية المستقبلية لليمن، لكن الأكيد أن طبخة اتفاق السلم والشراكة برعاية المبعوث الأممي كانت البوابة الرئيسية التي مكنت الحوثيين من الوصول باليمن إلى ما وصل إليه. لو افترضنا تطبيق الواقعية السياسية في الطبخة الأممية سنفترض أنه كان مستحيلا عليها إلغاء أو تهميش الحوثيين كمكون سياسي مهم ومؤثر وحاضر بقوة حتى لو ثبت أنه يتبنى ويمرر أجندة خارجية أكثر من كونه يريد المشاركة في العمل الوطني، وفي هذه الحالة كان واجبا وضع ضمانات قوية تؤكد تحقيق السلم وتطبيق الشراكة وتمنع تجاوزها والإخلال بها، لكن ذلك لم يحدث، وهذا يعيدنا إلى المقولات الأممية السابقة بتطبيق عقوبات لم تطبق على الأطراف التي تعطل العملية السياسية، ويجعلنا أيضا نطرح الاحتمال الآخر بأنه أريد للطبخة الأممية أن تكون كذلك، هلامية ومائعة، لتصل باليمن إلى هاوية الفوضى كي يلحق بالبلدان التي سبقته. أليست الفوضى هي المشروع الأمريكي في العالم العربي، وأليست الأمم المتحدة قسما ملحقا بالإدارة الأمريكية؟ حسنا.. إذا كنا نتهم اتفاق السلم والشراكة، فلماذا أمكن اختراعه وتنفيذه بوجود المبادرة الخليجية التي كانت سباقة لتدارك اليمن من الانهيار. هنا لا بد أيضا أن نتحدث بشفافية تتوجب القول إن المبادرة لم تكن خالية من بعض النقاط التي لم تقرأ الواقع اليمني بعمق وتجرد، ولم تحفل بقراءة استشرافية لاحتمالات المستقبل في ظل هذا الواقع، إضافة إلى ترهل متابعتها وعدم مراجعتها وتكييفها مع بعض المتغيرات الهامة، وبالتالي لم يستفد اليمن كوطن منها كما يجب، ولا هو استفاد من اتفاق السلم والشراكة. هو الآن بالفعل يقف على بوابة المستقبل المخيف، فعندما يعيش قرابة 27 مليون شخص معظمهم تحت خط الفقر مع حوالي 60 مليون قطعة سلاح بالإضافة إلى التنظيمات الإرهابية في غياب الدولة، لنا أن نتصور ما يمكن حدوثه. إن أي محاولة لانتشال اليمن من أسوأ الاحتمالات لا بد لها من التعامل بواقعية سياسية مع معادلة جديدة قائمة على الأرض بغض النظر عن الميول مع أو ضد، ولا بد لها من الوعي بأنها تتعامل مع يمن آخر غير اليمن الذي كانت تتعامل معه، والأهم أن تتعامل مع اليمن كوطن لا بد من حمايته من التشظي والحريق الذي سيندم عليه الجميع.