×
محافظة المنطقة الشرقية

مقتل وافد حاول الاستيلاء على سلاح رجل أمن

صورة الخبر

يعرف الذين قرأوا شيئا من تاريخ فرنسا الحديث، أن الثورة الفرنسية حين اندلعت عام 1789، فإنها أطاحت بأسرة «البوربون» الشهيرة من الحكم، ولم تشأ تلك الأسرة، أن تتدبر وهي خارج السلطة، أسباب الإطاحة بها، لتعالجها، وتراجع أخطاءها، وتصحح مسيرتها.. لا.. لم تشأ أن تنخرط في خطوة ضرورية لها كهذه، وبدلا منها، راحت تخطط كيف تعود إلى الحكم من جديد، وكأن الكرسي بالنسبة لها، والحال هكذا، هدف في حد ذاته، وليس وسيلة لتحقيق مصالح الرعايا على الأرض، وقد عكفت «البوربون» على التخطيط طويلا، حتى عادت من جديد بالفعل، ولأنها كانت عودة بلا مراجعة لأفكار سبق أن ألقت بها خارج القصر، فإن أول شيء فكرت فيه، عند عودتها، هو الانتقام من الذين باركوا إزاحتها من مقاعد الحكم، فكان لا بد لانتقام هذه هي طبيعته، وهذا هو اتجاهه، أن يمس الفرنسيين في غالبيتهم. ولم يستطع الفرنسيون أن يحتملوا سلوك الأسرة الانتقامي، في عهدها الجديد، وضاقوا به، وبها، ذرعا، فقامت ثورة جديدة جرفت «البوربون» في طريقها إلى الأبد، وكان ذلك عام 1830، ومن يومها انتهى عهدها بالفرنسيين تماما، وانقطعت كل صلة لها بالحكم نهائيا، وصارت شيئا من الماضي. وإذا كانت فترتها في الحكم، مهمة، فإن الأهم منها، ما قيل بعدها عنها كأسرة، إذ قيل إن «البوربون» طوال الفترة من 1789، أو حتى ما قبلها، إلى 1830، «لم تتعلم، ولم تنس». وكان جمال البنا، شقيق حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان، قد أطلق على الجماعة في سنوات حياته الأخيرة، أنها كالأسرة الفرنسية بالضبط، لا تتعلم، ولا تنسى. وعندما يكون صاحب العبارة هو شقيق مؤسس الجماعة، فقد كان الأمل أن تكون بمثابة جرس إنذار للإخوان، وأن يأخذوها على محمل الجد، وأن يفكروا فيها بما تستحقه من جهد، وفكر، وأن يدركوا أن جمال البنا حين يقولها، فإنه سوف يكون حريصا بالقطع على مصلحة جماعة كان قد أسسها أخوه، ولن يكون أبدا ضد مصلحتها، حتى وإن قال ما لا يعجب القائمين على أمرها. لم يحدث طبعا، وتجاهلوه، وكأنه لم ينطق بشيء، وربما اعتبروه عدوا وخصما، وكان هذا واضحا، من خلال شبه المقاطعة التي حظيت بها جنازته منهم! وفي ظني، فإن المسافة الزمنية الممتدة من 30 يونيو (حزيران) قبل الماضي، حين ثار المصريون على حكم الإخوان، إلى يوم 23 سبتمبر 2014، الذي أصدر القضاء فيه حكما بحل الجماعة، ومصادرة أملاكها وأموالها، وما بعد ذلك إلى اليوم، كانت - أي هذه المسافة، في تاريخ الإخوان - بمثابة العودة الثانية للبوربون إلى الحكم، لا لشيء، إلا لأن الإخوة في الجماعة، لم يكونوا في حاجة إلى العودة لما قبل 30 يونيو، ليراجعوا أنفسهم، ويقروا بأخطائهم في حق المصريين.. لم يكونوا في حاجة إلى عودة كهذه أبدا، وإنما كانت أمامهم الفرصة متاحة كاملة، بين هذين التاريخين، وفيما بعدهما، ليثبتوا لكل مصري آمن بفكرهم وأعطاهم صوته الانتخابي ذات يوم، أن السلطة بالنسبة لهم ليست غاية في حد ذاتها، وإنما مجرد أداة أرادوا، أو حتى تصوروا أنهم يمكن بها أن يخدموا المواطنين، وأن لديهم الشجاعة الكافية، للاعتذار ومراجعة النفس، في اللحظة التي يتبين لهم خطأ تصورهم، لأنه تصور بشري في النهاية، يحتمل النجاح بمثل ما يحتمل الفشل. على شيء كهذا، كان رهان العقلاء في المجتمع المصري، منذ ما بعد ثورة 30 يونيو مباشرة، وكان الأمل أن يُخيب الإخوان ظن جمال البنا فيهم، وأن يكسبوا الرهان مع أي عاقل في البلد. ولكن كما تلاحظون، فإنني أقول إنه كان أملا، ومن شأن أي أمل أن يتحقق، أو يتبدد، وفي الحالتين فإن تحققه، أو تبديده، يتوقف دوما على مدى إرادة صاحبه. وللأسف، فإن أحدا من عقلاء الجماعة، الذين لا نراهم على كل حال، لم يمتلك إرادة على هذا المستوى. وليس أدل على ذلك، إلا أن رد كل واحد فيهم، بمن فيهم من كنا نحسبهم بين العقلاء، على حكم القضاء بالحل، قد جاء بما لا يشتهي المراهنون على العقل.. إذ بدا في لحظتها، وكأن الجماعة عندما نشأت عام 1928، فإن جسدها راح ينمو نموا طبيعيا، في الوقت الذي أُصيب فيه عقلها بالضمور، فتوقف في مكانه لا يفارقه! كان الأمل، مرة أخرى، أن يصدر بيان عنها يقول فيه عقلاؤها، إنهم كانوا يتمنون لو أعطاهم المجتمع فرصة، لحل الجماعة ذاتيا، لأنها لم يعد لها مبرر، منذ نشأ لها حزب اسمه «الحرية والعدالة»، وأنهم بعد اعترافهم بحلها قضائيا، يطلبون تسجيلها كجمعية خيرية دعوية خالصة، في وزارة الشؤون الاجتماعية، لينطبق عليها بالضرورة، ما ينطبق على أي جمعية مماثلة أخرى، وأن أحدا من بين أعضائها إذا كان يرغب في العمل السياسي، فأمامه الحزب يعمل من خلاله، ليلتزم الاثنان، عضو الجماعة الراغب في العمل السياسي والحزب معا، بكل الضوابط الحاكمة لعمل الأحزاب المدنية في البلد. بيان بهذا المعنى، كان سيثبت للمصريين، أن الإخوان بعد 30 يونيو، غيرهم قبله كليا، وأنهم تعلموا، ونسوا، وأنهم راغبون في أن يكونوا بصدق، جزءا طبيعيا من مجتمعهم، لا فصيلا خارجا عليه. ولكن المشكلة أن الحزب نفسه قد جرى حله واختفى، ولو كان في الجماعة عقلاء مؤثرون لكان الحزب موجودا اليوم. لذلك، تبدو «الجماعة» اليوم، أحوج الناس إلى أن تتعلم، وأن تنسى، لأنه لا بديل آخر أمامها، سوى البديل البوربوني الأبدي!