كشفت مصادر متطابقة لـ «الحياة» أن إيران طلبت «ضمانات سيادية» قد تصل قيمتها الى 20 بليون دولار أميركي لتلبية طلب الحكومة السورية تقديم خط ائتمان جديد بقيمة ٤.٧ بليون دولار أميركي، ما استدعى قيام مسؤولين سوريين بزيارات سرية إلى طهران للقاء المرشد الأعلى لـ «الثورة الإسلامية» علي خامنئي لـ «تليين الشروط الإيرانية» ومعالجة تراجع المساعدات بسبب تدني أسعار النفط. ووفق المعلومات، فإن رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي طلب خلال زيارته طهران في كانون الأول (ديسمبر) الماضي «خط ائتمان» جديداً يغطي ثلاثة بلايين دولار من المشتقات النفطية و١.٧ بليون من المواد الغذائية والأدوية، حيث كان البند الرئيسي في قائمة مشتريات الحلقي، كميات أكبر من واردات مشتقات البترول والمواد الغذائية. غير أن الجانب الإيراني أشار إلى أن مجلس الشورى الإيراني لن يوافق على تقديم خط ائتمان جديد، من دون ضمانات سيادية سورية بقيمة ٢٠ بليون دولار. ويُعتقد أن هذا المبلغ يغطي قروضاً وخطوطاً ائتمانية قدمتها طهران سابقاً. ووفق خبير سوري، فإن «ضمانات سيادية» تعني التزام الحكومة السورية سداد المبلغ مستقبلاً من خزينتها أو أملاكها، واحتمال رهن ممتلكات وتوقيع وزير المال على التزامات مالية. واقترح مسؤولون إيرانيون مقربون من الرئيس حسن روحاني إصدار تشريع من مجلس الشعب (البرلمان) السوري يضمن مصالح إيران في السنوات المقبلة. وأوضحت المصادر: «أعقبت هذه المحادثات زيارة سرية إلى طهران، إحداها للحلقي وأخرى لمسؤول أمني سابق له علاقة جيدة مع خامنئي، ما أدى إلى حصول دمشق على بعض المساعدات». وفي بداية العام الحالي، أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) بأن الرئيس بشار الأسد استقبل رستم قاسمي رئيس لجنة تنمية العلاقات الاقتصادية الإيرانية - السورية لبحث «الجهود المبذولة لتمتين العلاقات الاقتصادية وضرورة الاستثمار الأمثل للفرص المتاحة في الكثير من القطاعات الحيوية بما يعود بالمنفعة على البلدين». وتبلغ قاسمي من الحلقي أنه ستكون لإيران «الفرص الكبرى في إقامة مشاريع تنموية مشتركة في سورية». وفي تموز (يوليو) عام 2013، منحت إيران الحكومة السورية تسهيلات ائتمانية مقدارها 3.6 بليون دولار لشراء منتجات نفطية. وجرى تخصيص بليون دولار أخرى لشراء منتجات غير نفطية. وسعت دمشق إلى الحصول على تطمينات بأن طهران ستحافظ على الوضع الراهن للمساعدات بعد انخفاض أسعار النفط في الأشهر الماضية. وقال جهاد يازجي ناشر «التقرير السوري» المختص بالشؤون الاقتصادية لـ «الحياة» أن خط الائتمان البالغ ٣.٦ بليون «نفذ حيث قدمت إيران النفط بدلاً من الدفع نقداً، لكن الثاني البالغ بليون دولار هناك الكثير من التأخير من الجانب الإيراني ولم ينفق تماماً». وزاد أنه منذ منتصف 2013، «لم يعلن عن أي قرض رسمي أو مرفق آخر. كانت هناك زيارات عدة للتشديد على وجود علاقات اقتصادية قوية، لكن لم يعلن عن اتفاق رسمي». وأدت سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) والمعارضة على معظم حقول النفط والغاز في شمال شرقي البلاد إلى تراجع الإنتاج من ٣٧٠ إلى ٢٠ ألف برميل يومياً وإلى توقف عمل محطات الكهرباء والاعتماد أكثر على المشتقات النفطية من الخارج وعقد صفقات بين ممثلي النظام وممثلي فصائل متشددة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في شمال شرقي البلاد. كما أن سيطرة «داعش» على جانبي الحدود السورية - العراقية رفع الاعتماد على الموانئ السورية لإيصال المشتقات النفطية الإيرانية. وكان مسؤول معارض قال أن المعارضة المسلحة رفضت وساطات من النظام لإعادة فتح طريق دمشق - بغداد الذي تعتبره الحكومة «شرايين الحياة» للحصول على المساعدات من إيران والعراق، لافتاً إلى أن دمشق حولت خط الإمداد إلى حمص في وسط البلاد. واقترح الحلقي قيام خط نقل مباشر بين إيران والموانئ السورية، حيث كانت تفرغ ناقلات النفط الإيرانية حمولتها. كما وعد بـ «فتح آفاق واعدة في مجال استثمار الطاقة والتنقيب عن النفط وإعادة الإعمار وفتح مشاريع جديدة». وقالت مصادر أن تمسك طهران بـ «ضمانات سيادية» يستند إلى فتح خيارات سياسية للمستقبل والإفادة من تجربة الثمانينات عندما قدمت نفطاً إلى الحكومة السورية، وبقيت أزمة الديون عالقة إلى نهاية التسعينات وورقة تفاوضية خلال عقد التسعينات عندما تحسنت العلاقة بين دمشق وكل من دول الخليج والغرب. وفي نهاية ١٩٩٩، اتفقت طهران ودمشق على حل مشكلة الديون الإيرانية البالغة 500 مليون دولار ستستثمرها إيران في سورية لإقامة مصنع إسمنت بكلفة 189 مليون دولار وصوامع حبوب بقيمة 180 مليوناً، إضافة إلى مشاريع خيرية ودينية في سورية، كان بينها توسيع مزارات شيعية وبناء مبنى جديد للسفارة الإيرانية في حي المزة على أرض قدمتها الحكومة. وقبل عام ٢٠١١، بلغت قيمة الديون السورية الخارجية حوالى ثلاثة بلايين دولار أميركي، إضافة إلى وجود حوالى ٢٢ بليون دولار في «المصرف المركزي»، لكن هذه المبالغ صرفت، بحيث قال خبراء سوريون إن الحكومة صرفت ١٥ بليون دولار من ودائعها بالقطع الأجنبي حتى نهاية ٢٠١٣، فيما قال مصرفيون أن إيران أودعت في «المصرف المركزي» حوالى ٧٥٠ مليوناً لدعم استقرار الليرة السورية. لكن الخبراء يشيرون إلى أن انخفاض أسعار النفط بدأ ينعكس تراجعاً في المساعدات المالية الإيرانية إلى النظام وحلفاء إيران من اللبنانيين والفلسطينيين. وكان عضو بارز في غرفة الصناعة في دمشق طلب عدم نشر اسمه أبلغ «رويترز»: «بأن الهبوط الشديد في أسعار النفط سيقصم ظهر إيران وليس فقط مستوى دعم النظام». وبالنسبة إلى روسيا، قال يازجي ومصادر أخرى أن موسكو رفضت طلباً سورياً بتقديم قرض بقيمة بليون دولار أميركي في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. كما أشارت المصادر إلى أن زيارة وزير الخارجية وليد المعلم في نهاية العام لم تؤدِّ إلى تحريك هذا الملف. وكانت اللجنة الروسية - السورية توصلت في اجتماعها في أيار (مايو) الماضي في دمشق إلى اتفاق لتخصيص 240 مليون يورو لدمشق لحل الصعوبات الاجتماعية، تم خصمها من ديون سابقة مترتبة على دمشق. وأوضح يازجي: «من المرجح أن سورية استخدمت تسهيلات ائتمانية قدمتها روسيا بعد أن جرى في 2007، حل مشكلة الديون التي يرجع تاريخها إلى أيام الاتحاد السوفياتي». وأمام تراجع المساعدات الروسية والإيرانية، رفعت الحكومة الدعم عن مادة المازوت. وأصدرت قراراً برفع سعر المازوت، للمرة الثانية خلال ستة أشهر، للقطاعين العام والخاص من 80 ليرة سورية إلى 125 ليرة، ورفع سعر أسطوانة الغاز المنزلي من 1100 إلى 1500 ليرة، وربطة الخبز من 25 إلى 35 ليرة. ووفق اعتمادات الموازنة للعام الحالي، فإن الحكومة لن تستطيع توفير حوالى خمسة بلايين دولار لدعم المواد الغذائية والمشتقات النفطية بينها 1.6 بليون دولار للمشتقات النفطية وبليونا دولار للكهرباء وحوالى بليون دولار للمواد الغذائية. وأشار يازجي إلى أن رفع الدعم جاء «نتيجة للصعوبات المالية المتزايدة التي تواجهها الحكومة في الأشهر القليلة الماضية». وإذ قال يازجي أن «الاعتماد على المساعدات الخارجية بات مطلوباً أكثر من أي وقت مضى»، أشار إلى قول الأسد في خطابه بعد «الانتخابات» منتصف العام الماضي إلى ضرورة أن يدفع السوريون الضرائب، حيث تمت منذ ذلك الوقت إلى الآن زيادة أسعار الكثير من المنتجات مثل الخبز والرز والسكر والمياه والكهرباء. وقدرت مصادر زيادة الأسعار بنحو 14 ضعفاً عما كانت عليه قبل الأزمة مع تراجع القوة الشرائية لليرة السورية. وانخفضت قيمة الليرة إلى أكثر من ٢٢٠ ليرة سورية مقابل الدولار. وأدى ارتفاع الأسعار إلى احتجاجات في مناطق سيطرة النظام في دمشق والساحل السوري غرباً. وحاول «المصرف المركزي» قبل أيام احتواء تدهور سعر الليرة، وأعلن أنه سيضخ 500 مليون في سوق الصرف حتى نهاية الربع الأول من العام الحالي. وكان مصرفي أبلغ «الحياة» بأن الحكومة طلبت من المصارف الخاصة زيادة رأسمالها من ٦٠ إلى ٢٠٠ مليون دولار في «خطوة يائسة للحصول على العملة الأجنبية، ما أدى إلى صعوبة وصول الشخص العادي إلى الإقراض والاقتراض». وكتب موقع «اقتصاد سورية» أن «المصرف المركزي» يتوقع أن تمويل جميع العمليات التجارية خلال الشهرين المقبلين لن يتجاوز الـ500 مليون دولار، «ما يعني أنه سيركز على تمويل المستوردات فقط، وأن اتجاهه السابق بتمويل رغبات المواطنين غير التجارية لشراء الدولار، عاد إلى التقييد من جديد»، بالتالي لن يسمح بشراء الدولار، «ما أدى إلى رفع سعر الدولار في دمشق إلى حدود 230 ليرة»، بعدما كان ٤٦ ليرة في بداية ٢٠١١. وكانت «اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا» التابعة للأمم المتحدة (إسكوا) قدرت خسارة الاقتصاد منذ اندلاع النزاع إلى الآن، بحوالى 237 بليون دولار، مشيرة إلى أن الناتج المحلي تراجع إلى أقل من 33 بليوناً بعدما كان 60 بليوناً في 2010.