كان واضحاً من الأوامر السامية الكريمة الأخيرة رغبة القيادة في الاستفادة من خبرات القطاع الخاص بالإسراع في رفع مستوى الأداء الحكومي بأجهزتها وإجراء تغيير شامل بالفكر الإداري الذي تسير عليه الكثير من الجهات الحكومية التي مازالت تعاني من نقص شديد في مستوى خدماتها المقدمة على الرغم من ارتفاع حجم الدعم المالي والوظيفي لميزانياتها، وبدون أن يتناسب حجم الدعم مع خدمات الجهات. ومع أن تعيين من لديه خبرات ناجحة بالقطاع الخاص في المركز القيادي للجهة بهدف إحداث التغيير المطلوب للارتقاء بأهداف وإجراءات العمل وحسن التوجيه لمسؤولي وموظفي الجهة، إلا انه بسبب ارتباط تحقق ذلك بأنظمة وتعليمات قديمة وقوى بشرية وجهات حكومية أخرى، فان الأمر يستلزم - قبل أن نستبق النتائج - ضمان توفير البيئة المناسبة والمتكاملة التي تدعم تحقيق هذا التغيير على ارض الواقع بجميع المجالات المستهدفة، وهي مهمة ليست مستحيلة ولكنها تحتاج لتضافر الجهود داخل الجهة والجهات المرتبطة بها وكل ما له علاقة لتحقيق ذلك بما في ذلك الوسائل الإعلامية. فالمجتمع مهيأ لتقبل التغيير في آلية العمل بجهاتنا الخدمية لكونه يشعر بتدني الخدمات ويعاني من فشل جميع المحاولات السابقة للتطوير التي اعتمدت على دراسات وعقود مع شركات بمئات الملايين كانت جميعها في نظر المجتمع مجرد هدر مالي وبدون ان يستفاد منها كما كان يروج لها. ومع انه كانت هناك محاولات سابقة لإحداث تغيير ببعض الجهات لتطوير أعمالها، وبان يتم تعيين الوزير او رئيس الجهة من خارجها، فان الواقع اثبت في معظم جهاتنا بعد مرور الأشهر الأولى لحماس المسؤول للتغيير قوة تأثير فكر وثقافة العمل السائدة بالجهة على المسؤول الجديد والغرق بالعمل اليومي، ولاحظنا بأنه قد تشرب تلك الثقافة واختفت مبادرات التحول وأصبح الأمر بالنسبة له ما هو إلا أداء مهمة تسيير عمل خلال فترة شغله للوظيفة، وقد تكون واجهته صعوبات ربما بعضها من خارج الجهة لم يتمكن من تجاوزها، ولذلك فانه بسبب ما تعانيه الكثير من جهاتنا الحكومية من خلل في خططها وأداء إداراتها التنفيذية ونقص في الانتماء للجهة الذي تسبب في قصور وتهاون من بعض موظفيها يعانى منه المواطن حاليا بسبب آلية استحقاق الراتب للموظف الحكومي وانعدام فرص التحفيز النظامية للمسؤول والموظف المجتهد، فان ذلك يفرض أن تكون طبيعة التغيير المطلوب هنا تختلف عن منشآت القطاع الخاص الذي يتميز بوجود ثقافة الالتزام والإنتاج والتحفيز وفق قياس أداء أكثر دقة وبحيث يبدأ التحول بشكل متوازن من الإدارة العليا والإدارات والأقسام التنفيذية ووفق قناعة من يقوم بالتغيير بأن ذلك تطوير فعلي يتبناه كل موظفي الجهة ولاتقتصر الاستفادة منه على المسؤول الأول، كما أن تحقيق ذلك التطور يستلزم تكاتف الجهات المشرّعة مع الجهات الخدمية بإحداث تغيير في الفكر الذي تتضمنه الأنظمة والتعليمات لتطوير آلية العمل والإجراءات وتسهيل إجراءات التخصيص لبعض الخدمات والاعتراف بحق الموظف المجد للتحفيز والمحاسبة للمسؤول المقصر، لضمان استمرار بقاء الكفاءات بالجهة ككوادر بشرية تدعم المسؤول للتطوير، فالاستفادة من فكر وخبرات القطاع الخاص لإحداث التحول المستهدف تستلزم أن يتم الدعم نظاميا لكل ما يساهم فيه بدلا من اللجوء لطرق أخرى تحرج تلك الكفاءات وتوقع الجهة في مشاكل مع الجهات الرقابية والاهم أن يكون التحول كفكر مؤسسي لايرتبط بوجود المسؤول الذي تبنى التغيير.