×
محافظة تبوك

نزلاء التأهيل الشامل يتنافسون في الاحتفاظ بصورة المليك

صورة الخبر

بدءا من اليوم، تنضم الصالات الأميركية، ولو بعدد محدود، إلى الصالات العالمية في عرضها لفيلم الموريتاني عبد الرحمن سيساكو «تمبوكتو»، وهو الفيلم العربي الوحيد الذي دخل مسابقة الأوسكار هذا العام ضمن مسابقة الفيلم الأجنبي. وكان تصوير هذا الفيلم بدأ في ديسمبر (كانون الأول) سنة 2013 وانتهي العمل في ظرف أسابيع قليلة قبل بدء مهرجان «كان» في مايو (أيار) العام الماضي. بعده انتقل إلى أكثر من 30 مهرجانا آخر حول الكرة من بينها مهرجان هامبورغ الألماني وهلسنكي في فنلندا وشيكاغو وميل فالي في الولايات المتحدة وفيينا في النمسا كما أبوظبي في الإمارات وثيسالونيكي اليوناني وبانكوك التايلاندي. تجاريا عرض حتى الآن في فرنسا وألمانيا وبلجيكا وافتتح في البرتغال في الأسبوع الماضي، وستعرضه شاشات نرويجية وبرازيلية وسويدية وتركية بدءا من الـ30 من هذا الشهر. بعده هو على موعدين على الأقل في المجر (الشهر المقبل) وبريطانيا (22 مايو مبدئيا). بلغة الأرقام هذا يتبلور كنجاح مؤكد. فيلم عبد الرحمن سيساكو الجديد تم إنتاجه بميزانية لا يعتقد أنها تعدت المليوني دولار لكنه باع جيّدا وسيستعيد تكلفته وفوقها ربح تفتقر إليه معظم الأفلام العربية الأخرى، وهذا حتى إن كان الإقبال على الفيلم محدودا. * سلطة جديدة سبب رئيسي لذلك الاهتمام يعود إلى أن الفيلم ينطق بوضع قائم. مثل «الجنة الآن» للفلسطيني هاني أبو أسعد (2005) الذي تناول ظاهرة الهجمات الانتحارية الفلسطينية والدافع إليها، والذي دخل ترشيح الأوسكار في المجال نفسه آنذاك، هو فيلم قضية حاضرة يود الغرب سماع صوت مختلف عنها. يستطيع مخرج غربي أن يدلي بصوته (والكثيرون فعلوا) لكنه يبقى أمرا خاصّا ومختلفا إذا ما كان صاحب الصوت مسلم وعربي الانتماء، بصرف النظر عن مقدار تمسّك المخرج بأي من هاتين الصفتين. إنه حكاية عاتية تبدأ بمشهد لمجموعة مسلّحة تطارد غزالا في الصحراء لاقتناصه. الغزال هارب بقلب مخفوق من الخوف. الغزال هو الإنسان العادي. الصيادون هم الأشراس المنتمون إلى جماعة متطرّفة. بعد ذلك، هي حكاية رجل طوارقي اسمه كيدان (إبراهيم أحمد) يعيش مع زوجته (تولو كيكي) وابنتهما تويا (ليلى ولد محمد) فوق كثبان من الرمل فيما كان يوما قرية صحراوية هجر معظم من كان فيها ولو أننا لا نرى سواه. أحد أولاد الجيران كان يرعى البقر (لا نرى عشبا في أي مكان) عندما دخلت بقرة أرض مواطن أفريقي كان نصب شبكة صيد سمك والبقرة داست على الشبكة وهربت السمكات. الأفريقي يشتط غضبا ويقتل البقرة والصبي يهرع إلى كيدان يشكو ما حدث. كيدان يتوجه للأفريقي لمحاسبته على تصرّفه. مشادة تقع والأفريقي يسقط مقتولا من دون قصد. هناك في مدينة تمبوكتو سُلطة جديدة قوامها جماعة من المتطرّفين الذين يمنعون الغناء والموسيقى (وبالتالي أجهزة الراديو) كما يتدخلون في شؤون أخرى مثل فرض ارتداء قفاز يغطي يدي بائعة السمك التي تشكو من أنها لن تستطيع العمل إذا ما ارتدت قفازا. من بين الشخصيات الأخرى، أفريقية مهمّشة كونها «مسحورة» نراها تعيش حرّيتها الشخصية من دون اعتراض في وقت تتمادى فيه الجماعة المتطرّفة بإصدار القوانين وتشريع الإعدام والجلد والرجم في الوقت الذي يحاول فيه شيخ معتدل التذكير بأن الحكم شورى والأحكام كذلك. هذا كله سيتصل مع السياق الآخر للفيلم إذ سيتم إلقاء القبض على كيدان والحكم عليه بالموت كونه قتل رجلا. * قيمة مرتفعة حين نسج عبد الرحمن سيساكو حكايته لم يكن عليه الذهاب بعيدا. في عام 2012 تحوّلت مدينة تمبوكتو، التي كانت عاصمة تجارية مزدهرة في عقود خلت، إلى مركز حكم المتطرّفين في مالي وهذا الحكم لم يستمر طويلا إذ هاجمت القوات الحكومية والفرنسية المدينة واستحوذت على قرارها من جديد. لكن ما يجذب المشاهدين الغربيين إليه هو رغبتهم في رصد صوت مخالف لما يرونه هم الأكثر سوادا. إنه كما لو أن معظم المسلمين هم على شاكلة هذه الجماعة أو سواها والغرب ينتظر نقدا من مسلم أو عربي ليجهر بعداوته للتطرّف. هذا ما كان سببا في الإقبال على كل فيلم نجح من بعد «الجنة الآن» ومنها عربيا فيلم هيفاء المنصور «وجدة»، في تقديم نفسه كعمل من الداخل يكشف عما قد يجيب عن أسئلة حاضرة في البال الغربي يدفعه الفضول لمعرفة إجابات عنها أو، على الأقل، ليتعرّف على من قد يشاركه الرأي فيها. النقد الأميركي والبريطاني لفيلم «تمبوكتو» منذ أن شوهد في «كان» رفع من قيمة الفيلم بين الفئة المحدودة (بين فئات المشاهدين) التي تقبل على الفيلم. بيتر برادشو من «ذا غارديان» يكتب: «فيلم عبد الرحمن سيساكو الجميل والعاطفي صرخة من القلب». وزميله في «ذا تلغراف» تيم روبي يكتب: «هذا ليس الفيلم الكئيب الذي تتوقعه نسبة إلى موضوعه (بل) هو مليء بالحياة والسخرية والشعر». أميركيا وجده أ. أو. سكوت في «نيويورك تايمز»: «فعل مقاومة وانتقام لأنه يؤكد قوة العلمانية ليس كآيديولوجية لكن كحقيقة عنيدة من حقائق الحياة». إذا ما أضفنا إلى ذلك آراء نقاد عرب، فإن الحاصل هو قبول نقدي شاسع الأطراف لكن بصرف النظر عن مشاكل فعلية في الفيلم. ما يبدو أنه بات أكثر حصولا اليوم من الأمس هو أن المزيد من النقاد ينظرون إلى الحبكة على حساب المعالجة الفنية. إلى الطرح والمضمون أكثر من الكيفية والأسلوب. «تمبوكتو» ليس فيلما جيّدا مع نقطة بعد الكلمة. إنه جيّد لمنحاه كموضوع، وفيه بعض المشاهد الجيّدة خصوصا تلك الرمزية مطلع الفيلم وفي وسطه (مشهد لعبة كرة قدم من دون كرة فعلية لأنها محرّمة) لكن سرد الفيلم غير منظم. الحكاية لا تنتقل بسلاسة بين أطرافها والنقلات من وإلى الأحداث هي أقرب إلى نقلات بين فيلمين مختلفين يعرضان معا. نعم السينما عرفت عددا كبيرا من الأفلام التي تقع فيها حادثتين منفصلتين (أو أكثر) قبل أن تلتقيا، لكن المونتاج لعب الدور الأساسي في جعل الانتقال ما بينهما سلسا حتى إذا ما التقيا لم يبدوا كما أن لقاءهما مفتعل. وهذا تحديدا واحد من مشاكل الفيلم. مشكلة أخرى عند المخرج الموريتاني تتعلّق بعدم سعيه لاستكمال المشهد الذي يكوّنه بالتفاصيل الضرورية: لماذا رحل أبناء الضاحية الصحراوية؟ ما الذي أبقى الطوارقي في المكان دون سواه؟ ولماذا يرعى الصبي عشرات البقر (يختلف العدد من مشهد لآخر) فوق الرمال الخاوية من النباتات؟ وما المقصود فعليا من تلك الشخصية الأفريقية المسحورة أو المجنونة التي تحمل ديكا على كتفها ولا تتوقف عن الضحك؟ الفيلم ليس سرياليا لكي تندمج هي في المشهد العام. ومع وجود مشاهد عنف من شخصيات ومواقف عادية، فإن الفيلم ليس عنيفا حتى في هجومه على المتطرفين. سيساكو، وهذا جيّد، ليس حادّا أو غاضبا، بل منتقد ومن على مسافة. كل ما كان يحتاجه هو تنظيم أفضل لأفكاره. * تمبوكتو آخر * في عام 1959 قامت شركة «يونايتد آرتستس» بإنتاج فيلم من إخراج الأميركي (ذي الأصل الفرنسي) جاك تورنور بعنوان «تمبوكتو» أيضا: فيلم مغامرات من بطولة فكتور ماتيور وإيفون دي كارلو حول تاجر سلاح أميركي يتدخل لإقناع الأمير محمد بإخماد الثورة ضد الفرنسيين، لكن الأمير محمد مخطوف من قبل الأمير بكاكي (جون دبنر) وعليه فإن الحرب في تمبوكتو لا ريب واقعة!