يؤمن شعب المملكة العربية السعودية ولله الحمد والمنة إيماناً حقيقياً وكبيراً بقضاء الله وقدره بما تمكن في عقيدته من توحيد خالص ولديه من الفهم لأمور دينه ما يمنحه القدرة العالية على حُسن التعامل مع مختلف الأحداث، ويتعامل مع حقيقة الموت الذي سماه الله «مصيبة» في كتابه العزيز بالتسليم، ويتعامل قادته مع هذه الحقيقة بالصبر والثبات، ويحسنون التصرف بحكمة في كل المواقف المتتابعة حكمة تؤكد أنهم يضعون مصلحة البلاد في أعلى سلم الأولويات في القرارات التي يتخذونها. إنهم قادة ورثوا الحنكة السياسية الرشيدة من الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود يرحمه الله وعملوا في إطار المنهج الذي انطلق منه، وأسس كياناً قوياً متماسكاً تحت راية التوحيد يستمد قوته من كتاب الله العزيز، ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم -، وهو منهج التزمه أبناؤه بعناية وأمانة، واحترموه فأصبح محل فخرهم واعتزازهم. تتشكَّل لكل إنسان دائرة حُب لدى المحيطين به، وتتصل هذه الدائرة بجوانب مختلفة من شخصيته، وتتسع حتى يستحيل على كثيرين معرفة حدودها وأبعادها؛ لأن صاحبها قد أعطى في شتى الجوانب، وشمل عطاؤه مناحي مختلفة، ووصلت منافعه إلى حدود متباعدة. وتضيق تلك الدائرة لدى آخرين بذات القدر من شح أصحابها على من حولهم، وأنانيتهم الشديدة، وتكاد تخنق بعضهم من شدة ضيقها؛ لأنهم عاشوا من أجل أنفسهم فقط أو كانوا سبباً في عناء وشقاء المحيطين بهم! أما دائرة الحُب الحقيقية فتتسع في قلوب المحبين بقدر ما يعطيهم المحبوب من حبه الصادق، وقلبه النابض بالشفقة عليهم، وطاقته التي يبذلها في سعادتهم بلا توقف، وجهده الذي يسخِّره لرعاية شؤونهم، والسهر على أمورهم، ووعيه الذي يصبه في مصالحهم، وعاطفته التي يهديها إليهم بلا بخل في كل مناسبة؛ ليسعدهم، بل ويسخر كل حياته من أجلهم. بدأت دائرة حُب عبدالله بن عبدالعزيز في مؤسسة الحرس الوطني، تلك المؤسسة العسكرية التي أعطى الراحل يرحمه الله رجالها الحُب والتقدير والاهتمام، وجعل منها مؤسسة متعددة المنافع في شتى المجالات، فارتقى بها في مجال التعليم والتطوير، وجعل شؤونها الصحية من أرقى المؤسسات في البلاد، واهتم بالتراث والثقافة فكان المهرجان الوطني للتراث والثقافة الذي بات مهرجاناً عالمياً تديره كوادر وزارة الحرس الوطني المؤهلة تأهيلاً عالياً، فبات المهرجان وجهة محلية، ووجهة إقليمية وعربية، بل أصبح وجهة عالمية تتنافس كثير من دول العالم على شرف استضافته لها، وحسناً فعلت اللجنة العليا للمهرجان بإعلانها عن تأجيله إلى العام المقبل. وأخذت دائرة حُب عبدالله بن عبدالعزيز عندما كان ولياً للعهد في الاتساع في قلوب شعبه، وأمته العربية والإسلامية، وازدادت الدائرة اتساعاً عندما أصبح ملكاً للبلاد، فتجاوزت مساحة الحُب لتشمل العالم؛ لما تحلَّى به من صفات القيادة الرشيدة، والصدق في التعبير، والشجاعة في اتخاذ القرارات، وحُبه للخير والعمل الصادق من أجل شعبه وأمته والإنسانية جمعاء. ووضح حجم دائرة حُبه يرحمه الله عندما أعلن الديوان الملكي نبأ وفاته، النبأ الذي جاء موجعاً لشعبه وأمته بل للعالم الذي تقاطر قادته وزعماؤه لتقديم العزاء. ظهرت تعابير الحُب للملك الراحل يرحمه الله على وجوه الناس، وفي تصرفاتهم بصدق الدعاء له، وحسن الثناء عليه، وتذكر أعماله الجليلة، وأقواله غير المتكلفة التي كان يبثها بين حين وآخر، ومنها: «يعلم الله أنكم في قلبي أحملكم دائمًا، وأستمد العزم والعون والقوة من الله ثم منكم» إنها الكلمات التي لامست كل قلب؛ لأنها نبعت من قلب كان يفيض حُبًّا بسخاء! وصلت كثيراً من الأصدقاء رسائل تعزية، ومن بين ما وصلني رسالة الصديق الشاعر والناقد المصري أحمد شلبي التي يقول فيها: «نعزيكم ونعزي أنفسنا في وفاة خادم الحرمين الشريفين رحمه الله وحسبنا أنه انتقال إلى الرفيق الأعلى، لقد كان زعيماً استثنائياً بصدقه وحكمته وشجاعته، حفظ الله بلادكم وشعبكم». كان أبناء الوطن وبناته شيوخه وشبابه وأطفاله يعزِّي بعضهم بعضاً، وعبَّروا عن المكانة الكبيرة للراحل الكبير، وأثبتوا للعالم وقوفهم بولاء ووفاء وطاعة تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو ولي ولي العهد. وقفة: جاءت توصية هيئة البيعة بالأغلبية بترشيح صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ولياً لولي العهد؛ لتؤكد المنهج السوي في إدارة الدولة بأسلوب يحقق لها مصالحها العليا، ويحفظ لها أمنها، ونماءها وتطورها، وأثبتت للشعب الوفي أنها قدمت الكفاءة التي وضعت أساساً اختيار الأكفاء.