لقد أكرم الله عز وجل مكة المكرمة بل المملكة العربية السعودية بأسرها بأن جعلها تحتضن بيته العتيق، ومهداً لرسالته الخالدة، حيث انطلق منها -أم القرى- نور الهداية إلى كافة البشرية في أرجاء المعمورة، وبقدرته سبحانه وتعالى تحوّلت مكة من وادٍ غير ذي زرع، ومن جبال صمّاء، إلي أقدس بقعة على وجه الأرض، تأوي إليها أفئدة الناس من كل فج عميق. وفي ذلك استجابة لدعوة أبينا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم، قال تعالى: (وَإذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ* رَبِّ إنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ* رَبَّنَا إنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ).. (سورة إبراهيم / آيات 35-37)، وقد جعل الله عز وجل مكة المكرمة البقعة المباركة لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام "الحج"، يؤديه من استطاع إليه سبيلا. وعلى المستوى الاقتصادي، هناك انعكاسات وآثار اقتصادية للحج يمكن رصدها على المستوى الجزئي المتعلق بإنفاق الحجاج أثناء إقامتهم في المملكة، وكذلك على المستوى الكلي من خلال الآثار الاقتصادية الكلية للحج على اقتصاد المملكة، فعلى المستوى الجزئي، فإن قدوم الحجاج وإقامتهم في مكة المكرمة ينشئ أنماطاً متعددة من الإنفاق، وبالتالي طلباً في أسواق السلع، مثل شراء الهدايا والأطعمة والخدمات، مثل الإنفاق على الإسكان والمواصلات... وغيرها، كما أن الطلب المباشر ينشئ أنماطاً متعددة من الطلب المشتق في أسواق مساندة أخرى. وقد قدر خبراء الاقتصاد عائدات الحج والعمرة لأكثر من 62 مليار ريال (16.5 مليار دولار) في 2012، أي بزيادة قدرها 10% مقارنة عن 2011، مؤكدين أن إيرادات الحج تمثل 3% من الناتج المحلي الإجمالي السعودي. وبالرغم من الحجم الكبير للسوق خلال موسم الحج، فإن المنتجات السعودية، بما في ذلك الهدايا والحرف اليدوية، ما زالت ضعيفة جداً، وجهود الأسر المنتجة تفتقر إلى قنوات التسويق اللازمة لضمان ورعاية منافذ تسويقية جيّدة، لأنها لا تعرف حجم الطلب في السوق بسبب قدراتها المحدودة، وذلك يرجع إلى عدم وجود تنسيق في المجالات الاستثمارية. ولذلك فهناك حاجة إلى توطين وظائف للسعوديين في المشاريع المتوسطة والصغيرة، والقيام بعملية إحلال واسعة للكفاءات السعودية المدربة، حيث إن هذا القطاع يستحوذ على 90% من حجم الاقتصاد السعودي، وهذا وفقاً لأحدث الإحصائيات الواردة من مجلس الشورى السعودي. كما أن الدراسات الاقتصادية تؤكد على حاجة المملكة لـ200 مصنع يدعم اقتصاديات الحج والعمرة، وسط تقديرات بتجاوز الرقم 30 مليار دولار كقيمة حجم استثمار تلعب المملكة فيه دور المنظم والمستورد للبضائع من الصين والهند والفلبين وتايوان، حيث يتراوح حجم المبيعات أثناء موسم الحج والعمرة بين 500 و800 مليون ريال، ويتضح من هذا مدى أهمية هذا القطاع الحيوي على اقتصاد مملكتنا الحبيبة. وأخيرا.. وبعد كل هذه المعطيات فإنني أدعو إلى تفعيل برنامج يستهدف قطاع الشباب ويعمل جنبا إلى جنب لزيادة الإنتاج بأيدٍ سعودية، لتشجيع الشباب ودعمهم مادياً ومعنوياً للعمل في مهن صناعية متعلقة باقتصاديات الحج والعمرة، وتدريبهم في برامج إعادة التأهيل، لهذا من شأنه أن يوفر العمالة السعودية لأنشطة الحج والعمرة دون مشاكل مادية ومعنوية.. والله الموفق. saadelsbeai@gmail.com