استمع مفتاح شعيب سجلت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل نقطة مضيئة في سجلها السياسي كزعيمة لألمانيا، حين برأت في مؤتمر ميونيخ الإسلام من شبهة الإرهاب، وأكدت أن هذا الدين ليس مصدراً لتلك الظاهرة القبيحة، وشددت على أن مواجهة هذا التهديد لا يجب أن تستثني أمة أو شعباً أو حضارة باعتبار أن هذه المعركة تهم الإنسانية كلها والنصر فيها سيكون للجميع. كلام المستشارة الألمانية يكاد يكون شاذا في زحمة الخطب والبيانات التي تتحامل على الإسلام والمسلمين سواء في مؤتمر ميونيخ أو في غيره من المنابر الدولية، ضمن حملة، تكاد تكون منظمة، لاستهداف أمة بأسرها، وهو نهج خاطئ أخلاقياً وسياسياً، لأنه يؤسس لصراع حضاري وكراهية مقيتة، ويُحمّل مئات الملايين وزر ما تفعله مجموعات لا هوية لها غير الإجرام وإزهاق أرواح الأبرياء. وأوضح الأمثلة على ذلك تنظيم داعش الإرهابي الذي هبت معظم الدول الإسلامية بجيوشها وعلمائها ومثقفيها لمحاربته والتنديد بأفعاله الشنعاء، ولكن رهطاً من السياسيين في الغرب لا يريد أن يرى هذه الحقيقة، وبدافع من الشعبوية المتمددة والرغبة الشوفينية في التقوقع يجري اتهام المسلمين بما ليس فيهم. وفي هذا الإطار تتنامى ظاهرة ما يسمى الإسلاموفوبيا، وهناك من الخطابات المتطرفة من تعتبر الملايين من المسلمين الذين أصبحوا مواطنين في الدول الغربية مجرد لاجئين يجب اجتثاثهم وتسفيرهم بلا هوادة. المتطرف الهولندي خيرت فيلدرز أطلق حملته للانتخابات البرلمانية منتصف الشهر المقبل بهجوم عنصري ظالم على المسلمين وصفهم فيه بالحثالة، كما دعا بوقاحة إلى ترحيلهم ومصادرة مساجدهم وإغلاق هولندا في وجوههم. ومما يؤسف له أن هذه الخطابات تجد من يرحب بها رسمياً في الغرب، وتلقى من يدعمها ويتبناها، أما من يعترض عليها فقليل، ومن هؤلاء كانت انجيلا ميركل التي تقود أكبر دولة أوروبية وتقف وحيدة، تقريبا، تدافع عن مواقفها تجاه اللاجئين، وهي التي استقبلت ما يزيد على المليون منهم خصوصاً من سوريا والعراق وأفغانستان، وتحملت في سبيل ذلك الاتهامات والحملات السياسية والإعلامية. ومؤخراً علا صوتها أكثر من أي وقت رفضاً للتنكيل باللاجئين والتحامل على المسلمين، وهو موقف ينبع من رؤية ما زالت تنتصر للقيم الإنسانية وضرورات التعايش بين الأمم والحضارات والأديان. الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير الذي انتخب هذا الشهر، أعلن يوم تنصيبه أن الشجاعة ستكون سياسة بلاده في الفترة المقبلة، وفحوى هذا التوجه هو الوقوف في وجه كل السياسيات التي يمكن أن تعرقل التقدم إلى الأمام بعيداً عن العنصرية وخطابات الجذب إلى الخلف، وحين يصدر هذا التصميم من ألمانيا الرسمية ومن شتاينماير وميركل وغالبية الألمان، فلذلك دلالات قد لا تتوافر في دولة أخرى. فألمانيا هي أكثر بلد في العالم تأذى من الشعبوية والنازية حين سقطت لاثني عشر عاما تحت حكم أدولف هتلر، وقد انتهت البلاد، التي كانت درة الحضارة الغربية، إلى ركام ودمار بعد الحرب العالمية الثانية. ويعرف الألمان أكثر من غيرهم أن العنصرية وكراهية الآخرين والتطاول على الأديان وخصوصيات الشعوب الأخرى سينسف قواعد العلاقات بين المكونات الأممية، وهو ما يقود العالم بأسره إلى مرحلة من التناحر والاقتتال. ومن المفارقة أن الدول التي قاومت النازية قبل سبعين عاماً أصبحت غالبية نخبها تميل إلى اعتناق تلك الأفكار الهدامة، أما الدول التي جربتها مثل ألمانيا فتنحاز إلى الطرف المعاكس، وهذا ما تجسده مواقف ميركل في تمييزها بين الإرهاب والإسلام وما تعهد به شتاينماير من شجاعة رائعة. chouaibmeftah@gmail.com