ضمن سلسلة «كلاسيكيات الأدب الفرنسي»، أصدر مشروع «كلمة» للترجمة- أبوظبي، كتاب «الميتة العاشقة وقصص فنطازيّة أُخرى» لتيوفيل غوتييه، ونقله إلى العربية الكاتب والمترجم التونسيّ محمّد علي اليوسفي. وسلسلة «كلاسيكيّات الأدب الفرنسيّ» يحرّرها ويُراجع ترجماتها الشاعر والأكاديميّ العراقيّ المقيم في فرنسا كاظم جهاد. عبرَ مسيرة إبداعية دامت خمسين سنة ونيّفاً، فرض الشاعر والكاتب الفرنسيّ تيوفيل غوتييه (1811- 1872) حضورَه واحداً من النوابض المحرِّكة للرومنطيقيّة ومجدّداً في النقد الفني، وشاعراً مجوِّداً وإن لم يكن غزير الإنتاج في الشّعر، وكاتباً مسرحياً، ورحّالة شغِفاً بما يرى من شعوبٍ ومَشاهد. بيد أنّه فرض حضورَه روائيّاً وقاصّاً من طبقة رفيعة خصوصاً، ترك بصماته الواضحة في جنس أدبيّ عسير المسالك، يسهل فيه الابتكار السطحيّ وتكثر فيه مزالق التكرار ومحاكاة الآخرين، ألا وهو الأدب الفنطازيّ. والقصص التسع المترجمة في هذا الكتاب، والتي تكاد الأخيرتان منها تشكّلان روايتين، منتقاة من إنتاج للكاتب يمتدّ مدى الفترة بين 1831 و1856. ليست هذه القصص –ومن هنا دعوتها بالفنطازيّة- خياليّة بالكامل كحَكايا الجنيّات مثلاً، بل هي تمزج بين الخيال والواقع، وتدع عناصر غير مرئيّة أو لم تعد تنتمي إلى عالم الأحياء تتدخّل في الواقع ثمّ تتلاشى مخلِّفةً أثراً عميقاً في الكائن الذي يحدث له أن يرصد بعض تجلّياتها: امرأة تواصل عشقها في ما وراء الموت، وقدم مومياء تتدخّل في حياة ذلك الذي اشتراها من مخزنِ تحفيَّاتٍ وعتائق، وحسناء مرسومة في سجّادةِ حائطٍ تلهب خيال شابّ عاشق... شاعريّة اللّغة تُحوّل غالب صفحات الكتاب إلى قصائد نثر، وانثيالات الخيال المتواصلة تمنح الشخوص حياة أُخرى داخلَ الحياة. ولعل مسائل جوهريّة، كمسألة الهويّة وثيمات الازدواج والقرين والشّبيه والصّنْو وانتحال الهويّة وصناعة الاستلاب تُهيكل قصص الكاتب وتمنحها عمقاً فلسفيّاً وأدبيّاً فريدين. لم يكن غوتييه يمارس كتابة الغرابة من أجل الغرابة، بل إنّ عودة إلى الواقع دائماً ما تتوّج نصوصه. فتدرك الشخصيّة القصصيّة معضلتها، أو تموت ضحيّة وهمها القاتل، فنكمل نحن القرّاء شوط التساؤل الممضّ والفهم الخلاّق. والموتى لا يفرضون علينا وجودهم إلاّ بقدر ما تدوم زيارة توقفنا على الأساسيّ ويعودون بعدها إلى عالمهم الأليف.