كغمامة حزن ثقيلة أطل نهارالجمعة.. فاضت ساعاته بالحزن.. كامتداد لليلة طويلة استفقنا في الثانية فجراً منها على خبر وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز طيب الله ثراه وغفر له ما تقدم من ذنبه و ماتأخر..! تيقظ الوطن في نهاية أسبوع إجازته على حقيقة أن يودع من يحب.. أن يودع مليكه الذي أحبه.. أن يستوعب أنه فقد ملكه الإنسان إلى الأبد.. غاب عبدالله البسيط الذي لامس قلوب شعبه وأحبهم بعفويته.. الصادقة.. واقترب منهم بطيبة إنسان ورث شجاعة أن يكون جزءاً من شعبه.. يحمل همهم.. ويحضر مناسباتهم بإحساس أنهم ضفاف قلبه.. ومساحات البياض النقي داخله..! عن نفسي ومن حولي أكتب عن لحظة الحزن التي استحضرت نفسها ولم نستحضرها.. وسطت على دواخلنا جميعاً وكأنها تصطادنا لتحدث تلك الوخزة التي نحسها في أقصى قلوبنا.. تتصل عليّ سيدة كبيرة في السن تبكي ملكها عبدالله ببساطة وصدق وعفوية وتدعو له بالرحمة والمغفرة.. وتتذكر زيارته إلى جازان منذ سنوات وكيف حضر إليها من الخارج وتلك اللحظات الصافية والحقيقية التي تحدث فيها ببساطته المعهودة للمواطنين.. ولامسهم حتى اللحظة التي تمتد وكأنها ساعة الأفق.. تورق وتزهر بلحظات حضوره الجميلة وحديثه البسيط والمرتبط بوجدان الفقير قبل الغني..! نودع عبدالله بهدوء ورضا تام بالقضاء والقدر وبالموت الذي يأتي إلينا في موعده ولانذهب إليه.. نودعه بالدعاء.. وندعو له بالرحمة.. في وقت تشتعل فيه المنطقة من حولنا.. ولكن كعادة الأسرة السعودية وبالهدوء الذي تعودت عليه.. وكما هي في الأزمات.. هي أيضاً في الموت الصورة السعودية العامة والتي تعودنا عليها نحن في الداخل وتفهمها من هو في الخارج وهي لاتختلف أيضاً عن صورة وتركيبة المواطن السعودي.. الذي تُظهر معدنه كفرد وكشعب وقدرته على التماسك والثبات في الأزمات واحتواء الحدث والمصاب الجلل بروح وإحساس الشخص الواحد.. هكذا ودع الشعب السعودي مليكه ووالده عبدالله..!! غادرنا ملك إلى دار الجنان بإذن الله.. وبايعنا بعده سلمان بن عبدالعزيز ملكاً للمملكة العربية السعودية.. انتقلت السلطة بسلاسة وهدوء بشكل أذهل المتابعين في الخارج ولكنه لم يذهلنا في الداخل لأن هذه هي السياسة السعودية الثابتة والراسخة على قيمها ومبادئها التي وضعها المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله.. حيث يتم تداول السلطة أو انتقالها بهدوء يرتكز على الثوابت ومفهوم ثبات الدولة..! اللهم وفق ملكناسلمان إلى كل خير لهذه الأمة.. واحفظ وطننا واحمه من كل مكروه.. وارحم يارب عبدك "عبدالله"بن عبدالعزيز. بعدد ما جبر من الخواطرالمكسورة.. وبعدد ما مسح من دموع المقهورين والمحتاجين.. وبعدد من أحبهم من البسطاء والفقراء.. وبعدد ما قارب بين الشعوب من المختلفين والمتصارعين على السلطات.. وحاول توحيد قلوبهم من أجل استقرار أوطانهم..! اللهم إننا استودعناك مليكنا عبدالله.. فتقبله عندك من الصالحين.. وبشره بروح وريحان ورب راض ٍ غير غضبان.. اللهم يا رحمان يارحيم.. اغفر له وتجاوز عن زلاته..! رحم الله الملك عبدالله.. وحفظ الوطن.. وحماه.. ووفق الملك سلمان إلى ما فيه خير هذه الأمة ورفعتها..!!