×
محافظة المنطقة الشرقية

شقيقة البازعي إلى رحمة الله

صورة الخبر

عندما تتوغل إلى عمق شارع الحدادين قرب أسواق القيصرية وسط الهفوف فإن أول ما يشدك ويثير فضولك وجود شباب سعوديين في دكاكينهم الصغيرة يمارسون فيها مهنة الحدادة التي ورثوها عن آبائهم. صحيح أنها مهنة شاقة، لكنها ممتعة ومفيدة ومربحة كما يقول أحدهم.. ولعل التعامل مع الحديد وتليينه من أصعب المهام، لكن تطويع الحديد عند هؤلاء الشبان المثابرين أسهل كثيرا من الجلوس على رصيف الانتظار والكسل. ربع قرن 24 عاما قضاها محمد أحمد المبارك في دكان الحدادة الصغير الذي لا تزيد مساحته عن (مترين × مترين ونصف المتر)، وبرغم الدخل المحدود علم أبناءه الصنعة وأصبح الآن يكتفي فقط بالإشراف والمتابعة فيما يعمل أنجاله في المحل. يقول المبارك: أمارس المهنة منذ صغري، وكنت أجلس جوار والدي وعمري ست سنوات وأساعده في بعض المهام الخفيفة وعندما التحقت بالدراسة التي تركتها بعد الصف السادس كنت أقسم وقتي بين الدراسة والمحل حتى بدأ والدي يعتمد علي تدريجيا في المحل.. وبعد فترة من الوقت أصبحت أنا الذي أديره. وكان دكاني من المحلات المعروفة بجودتها ويلقى إقبالا كبيرا من الناس، خصوصا الفلاحين الذين يشترون المناجل وكذلك من الراغبين في شراء بعض الأدوات مثل: السكاكين والفؤوس وغيرهما. يضيف المبارك راويا لـ«عكاظ» بعض المواقف التي صادفته أبرزها عندما كان يجهز بضاعة يريد بيعها وبعدما أنهى مهمته وخلد للنوم اكتشف في الصباح أن كل البضاعة تحولت الى رماد بفعل حريق شب في دكانه وبعض الدكاكين المجاورة. ويؤكد المبارك أنه عشق مهنة الحدادة منذ الصغر بالرغم من دخلها القليل، خاصة في السنوات الأخيرة وقال: «لا أستطيع أن أستبدلها بمهنة أخرى لأنني بكل بساطة لا أجيد غيرها»، ويبدي المبارك قلقه من سيطرة بعض العمالة الوافدة على المهنة في السنوات الأخيرة وعدم وجود دعم من الجهات المختصة للممارسين من المواطنين، وأضاف يقول: «أصبح سداد قيمة الإيجار مشكلة، حيث استأجرت المحل بمبلغ 6500 ريال بعد احتراق المحل الأول في حريق القيصرية قبل سنوات»، ويعزو ذلك إلى سيطرة العمالة على سوق الحدادة وإقبال الناس على السلع المستوردة لرخص سعرها بالرغم من عدم وجود مقارنة في الجودة بين منتجات هذا المحل البسيط وما يستورد من الخارج. فقط لكبار السن المبارك يضيف قائلا إن كبار السن ما زالوا يقبلون على منتجات محله لأنهم يعرفون جودتها وفرقها عن ما يستورد من الصين مثلا. وعن النظرة التي يشاهدها في عيون الناس يقول «أجد فيها نظرات الاستغراب ولكنني لا أهتم بذلك». مؤكدا أن أقاربه وزوجته لا يتضايقون من عمله في مهنة الحدادة، ويضيف: «لم أحاول توريث المهنة لأبنائي وتركت لهم حرية الاختيار.. لكنهم اختاروا ذات المهنة لأنهم تعلموها مني منذ الصغر». وعن كيفية قضاء وقته حاليا يقول المبارك «أقضي وقتي في الإشراف على المحل، فالأبناء هم من يتولون العمل وأتدخل عند الحاجة فقط أو إذا طلبت منهم أداء مهمة لا يجيدونها»، وعن أمنيته يقول: أن تجد هذه المهنة الدعم الحكومي والاهتمام بها، لقد حاولت عدة مرات الوصول إلى المسؤولين عن هيئة السياحة كي نحصل على دعم وعرض رؤيتنا وطرق الحفاظ على المهنة ومنعها من الانقراض لأنها لم تعد (تؤكل عيش) -حسب قوله- فما كان يبيعه قبل سنوات بـ200 ريال الآن يبيعه بـ30 ريالا، الى جانب ارتفاع سعر خردة الحديد، فالجيل الحالي يقبل على المنتجات الرخيصة ولا يهتم بالجودة. حسين الابن الأكبر للعم المبارك هو من يتولى إدارة المحل في الوقت الراهن، إذ لم يكمل تعليمه فقد اكتفى بالكفاءة المتوسطة. يقول: «تعلمت المهنة منذ الصغر من والدي وقد أحببتها صغيرا فكنت أدرس في الصباح وفي العصر أساعد والدي وبعد تركي للدراسة لم أجد وظيفة مناسبة فتمسكت بهذه المهنة بالرغم من معرفتي بأن مستقبلها مظلم ولكنني تمسكت بها لأنني لا أجيد مهنة غيرها فأنا أتواجد دائما في هذا المحل ولكنني أعاني من ندرة الزبائن»، حسين تمنى أن يحصل على دعم من صندوق الموارد البشرية لتطوير المحل، مؤكدا أنه تلقى وعودا كثيرة، كان آخرها عندما قدم على صندوق الدعم التكاملي ولكن كل هذه الوعود ذهبت أدراج الرياح -حسب قوله-، حسين تمنى أن يكون مثل باقي الشباب ويستطيع تكوين أسرة ولكنه ما دام على هذا الحال فإنه لن يستطيع الصرف حتى على نفسه!. بعد ذلك تحدث شقيقه سامي البالغ من العمر 29 سنة الذي يساعده في إدارة المحل وقال: تعلمت هذه المهنة في الصغر واكتشفت أنها لا (تؤكل عيش) في الكبر، دخلتها في البداية لأنها مهنة أبي وجدي وبعد أن اكتشفت واقعها المرير حاولت البحث عن وظيفة أخرى ولكنني للأسف لم أجد غيرها.