الصفة الغالبة على معظم الأخبار في السعودية هي الجنائية؛ من سقوط في بئر وحوادث معلمات وكوارث سيول إلى سرقات واعتداءات وخطف وتعذيب أطفال، حتى ليبدو للمراقب أن هذه هي صورة السعودية وحالها العام. إن شحت هذه الأخبار القاتمة كان للمشاحنات والتجاذبات وتبادل الاتهامات صدارة المشهد وحديث المجتمع. في ماعدا ذلك فإن النبرة الثابتة هي التذمر من الشوارع المزدحمة وكثرة التحويلات وصعوبتها. في أحيان قليلة تبدو ومضة أمل مثل، دورة الخليج التي اغتالت فرحة الشباب، ثم لحقتها أمس تصفيات كأس آسيا التي كان طعمها مرارة حارقة واكتئاباً وعداوة للفرح، ولعل مشاهد حزن المبتعثين السعوديين بعد الخسارة الثقيلة أمام أوزبكستان مؤشر إلى أن الكآبة توشك أن تكون صفة لازمة بفضل التخبط والارتجال، أما المتعة الظاهرة فكانت في الأجواء الجميلة التي تعرشت الرياض فغسلت كثيراً من مناخات المرارة. يبدو أن هناك من يتقصد إحباط السعوديين وتعميق كآبتهم عبر التدرج في إلغاء وتهميش كل وسائل النشاط الاجتماعي، فلا يوجد للعوائل سوى الأسواق، وللشباب الاستراحات في حركة دورية ساكنة، ثم تجيء إجازة الربيع فلا يكون ثمة خيار سوى قطع مسافات طوال للتمتع بالرمل الذي يحبونه منظراً وملمساً، ومع ذلك قد يعجزون عن الوصول إليه وكأنهم في أحد القطبين. طوال الأعوام الماضية توارت وذابت كل النشاطات الاجتماعية الترفيهية بعمل ممنهج يزعم صيانة المجتمع، فلم يبق سوى الرياضة التي تهوي في متوالية سريعة، محدثة صدمات عنيفة طاولت حتى المبتعثين بأن سعادتهم ستكتمل بفوز منتخبهم الذي أثقلته الهزائم حتى تطاول عليه الصغار. من حسن الحظ أن متطلبات السعوديين بسيطة وتسعدهم الأشياء الصغيرة، فإن غابت عنهم لم يعد أمامهم سوى ذلك التجاذب الحاد وتشظي المجتمع وتزايد التوتر من دون وجود صمامات أمان تمتصه وتخفف من حاله. الأسوأ من ذلك الخطاب المترسخ الذي يشيطن الشباب ويجعلهم مصدر الشر والفساد ويلاحق خطواتهم للتضييق عليهم، حتى إنه يحرمهم من مشاهدة المباريات في المقاهي. يعتبر السعوديون من المجتمعات النشطة في التواصل الاجتماعي، إلا أن حال الحصار المتزايدة ستدفع الفئات العمرية من الـ 30 عاماً فما دون إلى الانغلاق على أنفسهم وبناء محيط اجتماعي خاص عبر وسائل الاتصال والاستغراق في أجهزتهم، فيكونون منقطعين عن محيطهم المادي، فإن لم يصطدهم الإرهاب والمخدرات الإلكترونية كانت الحصيلة الاغتراب الكلي، وهو لا يقلّ خطراً. كانت تجربة «المفتاحة» رائدة في سياقها الاحتفالي، وكان الطبيعي أن تستنسخها المناطق الأخرى. كانت محاولات أمانة الرياض الترفيهية إنقاذاً لغيبة الثقافة وتهميشها في الوزارة الأم. كانت جدة مركز البهجة، فماذا سيكون مآلها؟ «ابق وحيداً منعزلاً منغلقاً فتكون لنا حظوة السيطرة عليك»، هذه هي رسالة الذين يستهدفون المجتمع بأسوأ النيات، ولعلهم يقتربون كثيراً من تحقيق الهدف. الإعلام عليه أن يتعامل بإيجابية ويحتفي بكل تجربة مضيئة ويروج لها، كي يكون معنى الإنجاز بشرياً وليس مادياً، فالحكومة تريد تنمية الإنسان ومن ثم المكان اللائق بإبداعه، ولن يتحقق ذلك إلا بالترفيه الملائم والخيارات الإيجابية المتعددة. * العنوان في الأصل عنوان مقالة شهيرة للأمير خالد الفيصل، سطوت عليه لأني وجدته الأكثر دلالة، وإن لم تكن مقالتي تستعيد الفكرة ذاتها لكنها تقاربها.