لن تجد مثلي مهووساً بالكتب .. لدرجة استمراري بتغليفها بمجرد شرائها.. ومع هذا إن خيرتني بين الكتاب والفيلم الوثائقي فسأختار الثاني بلا تردد؛ فالكتاب يحتاج لوقت (وطول نفس) ويقف خلفه مؤلف لا يخلو من التحيز والميول الشخصية.. وفي المقابل يسرقك الفيلم الوثائقي من المكان والزمان ويمنحك صورا محايدة ومشاهد مجردة يصعب إنكارها.. صحيح أن الفيلم الوثائقي قد يكون متحيزا بدوره، إلا أن وجود التحيز يلغي عنه تلقائيا صفة التوثيق (وفي جميع الأحوال تمنحنا الصور والشهادات سهولة الحكم عليه)... ورغم أن الأفلام الوثائقية - أو التسجيلية إن شئت - أبسط كثيرا من الأفلام السينمائية إلا أنها أعظم منها تأثيرا.. صحيح أنها لا تتطلب سيناريو وممثلين وتحضيرات مسبقة، ولكنها في المقابل تتضمن آلاف الصور الواقعية التي من شأنها أسر المشاهد والتأثير عليه بقوة.. وما لاحظته شخصيا هو تنامي ظاهرة الإقبال على الأفلام الوثائقية في السنوات الأخيرة لدرجة أن كثيرا منها نافس في شعبيته وأرباحه الافلام التقليدية.. وإن سألتني عن أفضل الأفلام الوثائقية التي شاهدتها في حياتي سأبدأ بفيلمين للمخرج الأمريكي روجر مور.. الأول (سايكو) الذي يتحدث عن مؤامرة شركات التأمين الصحية وتحميلها مسؤولية تدني الرعاية الصحية في أمريكا مقارنة بكوبا وكندا وفرنسا وانجلترا.. أما الثاني فهو (فهرنهايت11/9) الذي حقق نسبة مشاهدة خارقة وينتقد سياسة الغزو وذهنية الكاوبوي التي اعتمدتها الإدارة الأمريكية لاحتلال العراق وأفغانستان ناهيك عن سياسة التخويف التي مارستها على الناس في الداخل بعد هجمات سبتمبر2001.. .. أيضا هناك فيلم (500 دونم فوق سطح القمر) للمخرجة الاسرائيلية راشيل جونز الذي سبق وكتبت عنه مقالا مفصلا.. ويتحدث عن كيفية سرقة القرى الفلسطينية وتغيير هويتها بحيث تبدو عبرية وغارقة في القدم.. وتقدم راشيل قرية "عين الحوض" الفلسطينية كمثال على طمس الهوية حيث تم تغيير اسمها الى "عين هود" ونحتت على بيوتها الصخرية أسماء عبرية، وأصبحت قرية خاصة بالتراث الفني ليهود العالم... .. أيضا هناك فيلم الجانب المظلم للقمر الذي استعرته من سمو الأمير مقرن (الذي يملك بالمناسبة مكتبة وثائقية ضخمة). وهو من إخراج الفرنسي ويليم كارل ويتحدث عن المؤامرة التي حيكت لتزوير هبوط الرواد على سطح القمر.. ففي نهاية الستينيات كان البيت الأبيض بحاجة لحدث إعلامي عظيم يرفع معنويات الشعب الأمريكي بعد حرب فيتنام ويرد الاعتبار لأمريكا التي تخلفت في سباقها الفضائي مع روسيا ناهيك عن صرف واشنطن بلايين الدولارات للهبوط على سطح القمر دون جدوى.. وهكذا تم تصوير مشاهد الهبوط (على الأرض) في استوديوهات شركة MGM برفقة أجهزة وتقنيات فضائية حقيقية وفرتها ناسا!! .. وحسب ملاحظتي يحقق الفرنسيون دائما نجاحا كبيرا في الأفلام الوثائقية.. فبالإضافة للفيلم السابق هناك أيضا "مسيرة البطاريق" الذي صوره علماء أحياء فرنسيون تتبعوا هجرة البطاريق في القطب الجنوبي ثم أضفوا على تصرفاتها أصواتا بشرية.. ورغم بساطة الفكرة وعدم تضمن الفيلم شيئا من مشاهد العنف أو المؤثرات الخاصة حقق نجاحا كبيرا وأرباحا تجاوزت 200 مليون دولار ونال جائزة الأوسكار عام 2006 عن فئة الأفلام الوثائقية!! .. ولأن مساحة الزاوية لا تسمح باستعراض المزيد من الأفلام أنصحك (إن كنت مهتما بهذا الجانب) أن تبحث بنفسك في جوجل عن: "أفضل الأفلام الوثائقية" أو Top Documentary films .. أما إن كنت تفضل مشاهدتها بدل القراءة عنها فأنصحك بمشاهدة (ملخصات سريعة) لأفضل ثمانية أفلام وثائقية بإدخال الجملة التالية في اليوتيوب: 8 Must See Documentaries .. أتمنى أن يتصل بي أحد في المستقبل ليقول: "أستاذ فهد أصبحت اليوم مخرجا وثائقيا بفضل ذلك المقال".. وأرجو أن يتم هذا قبل أن أضطر لحك رأسي محاولا التذكر "أي مقال؟"..