في البيئة التي نشأت وترعرعت فيها يسمون مرض السرطان - كفانا الله شر أورامه - بالمرض الشين ، وتعيش الأسرة القريبة من المصاب حالة تكتم عالية محاولة تجنب إفشاء الخبر إلا في الحدود الضيقة وبلغة منخفضة الصوت ، وحتى من يزور المريض في منزله أو المستشفى يكتفي بالسلام والدعاء دون الحديث المباشر عن المرض في أجواء يفرض الصمت قوانينه على الزائرين ، وأساليب الدعم النفسي والمعنوي تحافظ على المسافة المحظورة بين المريض وداعميه . المجتمع السعودي استقبل في هذا الأسبوع خبر تجدد إصابة الدكتورة سامية العمودي بمرض سرطان الثدي بحزن شديد وتفاعل واسع، حيث يعتبرون هذه المرأة بطلة اجتماعية استطاعت أن تقلب مفاهيمنا نحو التعامل مع الأورام الخبيثة . فعندما اكتشفت هذه الطبيبة إصابتها بسرطان الثدي قبل تسع سنوات أعلنت حربها عليه وبالإرادة والمواجهة استطاعت أن تنال الشفاء من عند الله ، فكانت قصة ملهمة لكل مصابة بهذا المرض ، وعلمتنا كيف نكسر حاجز الصمت ، وأن المرض السرطاني ليس وصمة عار نخجل منها ونخفيها ، وأعطتنا خارطة الطريق وقوة الداخل التي تجعلنا نستطيع إعلان المرض بكل احتساب ورضا . الدكتورة سامية العمودي علمتنا كيف نعيد علاقتنا مع الألم والأمل ، فعندما داهمها المرض في السابع من أبريل عام ٢٠٠٦ كان هو تاريخ ولادة مجدها وعزها ، فهي استثمرت البلاء بإيمانها بالقدر ، وحولت أزمتها لأهم نقطة إيجابية في حياتها، وكانت مصنعاً مصدراً للأمل من خامات الوجع والألم، فهذه العظيمة كما قالت عنها فاطمة باجعفر : ( عظماء البشر من يبعثون الأمل لغيرهم وهم في أشد الحاجة إليه ) . الدكتورة سامية علمتنا كيف نشارك الآخرين المرض والدعم، وفي أشد ألمها تحاول أن تستثمر هذا التعاطف إلى مزيد من الدروس لنا ، واسمعوا لها وهي تقول : ( معركتي الأولى مع السرطان كنت أكتبها أسبوعيا في جريدة المدينة وفي زمن تويتر أكتب مستجدات معركتي ثانية بثانية لنتعلم طبيا وإيمانيا ومجتمعيا ) . فحتى تويتر الذي يعج بالمشاكل والشتائم يتحول في حضرتها إلى ساحة إنسانية لهمومنا ، ومجلس طاهر نزيد فيه إيماننا ، وقاعة راقية نتعلم فيها ما ينفعنا ، وفي مدرسة مرضها تعلمنا كيف نقلب حال تويتر لنحب بعضنا عن بعد ) . هذه المرأة الجليلة تعلمنا كيف يكون العلاج بالعمل ، وأن العمل يجب أن يكون جزءاً من العلاج ، وبإيجابيتها اللامحدودة تقول : ( إحدى وسائل العلاج التي أمارسها في أزماتي هي الانغماس في العمل بصورة أكبر وبما هو جديد ليمدني بالطاقة والمتعة بدل الانكفاء والحزن فالمسلم قوي ) ، فتأملوا في روحها لتعرفوا كيف انتصرت على مصابها الأول . أبهرتني هذه السيدة القديرة بأهدافها عندما عرض عليها أحدهم أن يرى شارعاً باسمها في مدينتها جدة ، فردت عليه بقولها : ( لا أريد شارعا باسمي، بل أن يكون الوعي هو الشارع الذي نشقه لنسلم ) ، فالوعي للناس هو أملها وليس المجد الخاص ، ولا تعلم أنها أعطتنا الوعي بعقلها ، ونقشت مجدها بحروف من نور في ذاكرتنا . سامية العمودي هي سامية في رسالتها ، وعمود في صبرها ، وعندما عرفت أن استشارية التوليد أنجبت ابنها عبدالله وابنتها إسراء عن طريق الأنابيب بعد أن قال لها أحدهم: إنك عقيم أدركت أنها دائماً تتجه إلى ما تريد عبر الطريق الأصعب ، لكنها في النهاية تصل . قلوب محبيك تنتظر وصولك الثاني بالسلامة.