جاءت العملية الإرهابية التي عصفت بالمجلة الفرنسية، "شارلي ايبدو" متزامنة مع عملية أشد وقعاً في اليمن، وبعد يومين من معركة دامية، استهدف بها تنظيم "داعش" حدود السعودية الشمالية، وراح ضحيتها ثلاثة من رجال الأمن بينهم ضابط كبير، إلى جانب سقوط منفذي الهجوم. الرسالة واضحة بهذا المعنى، وهي أن الجميع مستهدف. بل إن ما لم تستطع التنظيمات المتشددة، تنفيذه في دول غربية ذات حصانة أمنية هائلة، تنال به دولاً إسلامية وعربية، جدارها الأمني جدّ قصير. ومن دون الحاجة لإحصاءات نشرتها قناة مثل "العربية" قبل بضع سنين، حول نسب ضحايا التفجيرات الإرهابية من المسلمين وغيرهم، يكفي أن نلقي نظرة على خارطة الأحداث الإرهابية في نهاية العام الماضي، سنجد أنها جميعاً في مناطق عربية أو إسلامية. لكن المختلف في الدراما الارهابية، هو أنه بالأمس مات نحو 40 يمنياً في اللحظة نفسها التي قتل فيها 11 فرنسياً، فكانت الضجة المستحقة في الغرب والعالم، وفي اليمن كان الدم السائل، ليس إلا لقطة من فيلم طويل ممل، لم يعد يثير أحداً. ناهيك عن عدد قتلى غارات النظام السوري على أبرياء، عزل من كل شيء حتى غطاء يخفف وقع أحوال الطقس المرعبة. ليس هذا تهويناً من الجريمة في فرنسا، ولكن مسألة المعايير المزدوجة في العالم الحديث، باتت مسألة لا تحتاج لكثير حجج، فيكفي تذكر الحالة الفلسطينية وحدها، أو الافريقية، لنجد البون شاسعاً. وهذه فرنسا التي تعيش محنة مؤسفة، كانت قبل أسابيع، افتدت مواطنها سيرج لازارفيتش من أيدي تنظيمات جهادية تنشط في إقليم أزواد، شمالي مالي، بملايين الدولارات (أنباء تحدثت عن 20 مليونا)، بينما في الإقليم نفسه، لا نرى إبادة حي بأكمله من أبرياء عرب أو طوارق على أيدي ميليشيات، شيئاً يستحق أكثر من دورية، تشاهد الجثث، وصوراً تلتقط لإثبات أن القاتل ليس فرنسياً، أو أن المقتول ليس "غربيا". هذا واقع، تجب مواجهته. غير أنه ما على الغرب أن يفهمه، أن الإرهاب عدو الجميع، والحدود لم تعد حامية او عاصمة. تنظيم "داعش" تمكن من التجنيد في عقر دار ألمانيا وهولندا وفرنسا واميركا. وما لم يتورع الإرهابيون عن فعله في سورية او العراق، من باب أولى لن يردعهم ضمير عن فعله في فرنسا. لذلك لا فائدة ان يرهب الغربيون الأبرياء المسلمين، كلما ضرب الإرهاب بلداً غربياً. فالمسلمون ضحايا أولئك قبل غيرهم، ولو قرأ الفرنسيون ما كتبه المتطرفون ناهيك عن جماعات العنف الجهادي المسلحة، عن قناة سعودية مثل "العربية"، لأدركوا انهم لو أتيحت لهم فرصة تفجيرها وقتل بعض منسوبيها او جميعهم، لن يترددوا. إذ لا فرق عندهم بين "شارلي" و"العربية" وسواها. وهي فكرة أيضاً يحسن ان لا تغيب عن مسلمين أو متعاطفين مع أي عملية إرهابية في اميركا او الغرب، لأن منفذيها جعلوا ذريعتها الانتقام للنبي أو غزو بلاد إسلامية، مثلما ستقول "داعش" وقالت "القاعدة" من قبل. التاريخ القريب خير برهان على دحض صدقية ذلك، فما إن انتهى رجال بن لادن من لملمة اوراقهم بعد 11 أيلول (سبتمبر) 2001 التي هلل لها إسلاميون كثر، حتى حشدوا سفراءهم في السعودية التي يسمونها بألسنتهم (أرض الحرمين)، أي يفترض أن تكون ذات حرمة استثنائية في أدبياتهم، وشنوا فيها هجماتهم التي أودت مرة أخرى بمسلمين أكثر مما قتلت من غربيين، دماؤهم أيضاً محرمة. خلاصة القول، أن رسائل الإرهاب تزداد وضوحاً، والدول تزداد رسائلها ضبابية. فيما رسالة الرب أن "من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا". لا فرق. *صحافي من "أسرة الحياة".