هنالك تصور سلبي عن الشعب السعودي، وكأنه قطيع من الكسالى لا يجيد إلا النوم لساعات طويلة، والذهاب بعدها إلى العمل أو الدراسة وهو فاقد لأي طموح أو رغبة في التحصيل والتطور، يريد سريعا أن ينتهي الوقت، كي يجلس إلى مائدة الغذاء الشهية، والتي هي أحب إليه من أي متعة علمية أو فكرية أخرى، ثم ما يبرح أن يعود ثانية إلى مخدعه ليأخذ قيلولة المساء، قبل أن يدلف إلى خلانه وأصحابه يتسمر ساعات طويلة أمام التلفاز، أو يلعب البلوت، وهو يدخن شيشته الأثيرة. تلك هي صورة السعودي الكسول وغير المبالي، والتي دائما ما يتناقلها الأشقاء العرب، بوصفنا شعبا ليس جديرا بما منحته الأرض من ثروات، وأننا حفاة عراة، لا حضارة لنا، ولولا هذا النفط لكنا قطعانا من الجرذان في الصحراء يأكل بعضنا بعضا!. أكثر من هذا، قبل أكثر من عشر سنوات كتبت مقالا في صحيفة الوقت البحرينية، قلت فيه إن السعودي عندما يزور لبنان يتأرجح بين صورتين: الإرهابي في مخيم نهر البارد الذي يقاتل مع تنظيم فتح الإسلام، والأزعر الباحث عن فتيات الليل والملذات في جونية والمعاملتين. هل بالفعل هي ذي صورنا: كسالى، إرهابيون، باحثون عن الملذات!. أليس لنا وجوه أخرى يعرفنا الناس بها، ونقدم بها ذواتنا إلى العالم؟ الصور السالفة هي واقع حقيقي لا يمكن إنكاره من فسيفساء المجتمع. هي بالتأكيد جزء من المشهد الكبير المترامي الأطراف، إلا أنها بالتأكيد ليست المشهد كله، وليس هنالك إحصاءات دقيقة يركن إليها تقول ما هي نسبة الإرهابيين والكسالى واصحاب الهوى في مجتمعنا، وإنما هي انطباعات عامة، أو إحصاءات جزئية تعطي مؤشرات نسبة الدقة فيها ليست بالعالية، بسبب تنوع المجتمع السعودي ثقافيا ومذهبيا ومناطقيا. العديد من المشكلات يعاني منها المجتمع في السعودية، كأفراد وكمؤسسات وكإدارات وأجهزة حكومية. والمكاشفة والمصارحة ضرورية لأجل حل هذه المشكلات المتراكمة منذ سنوات. إنما ليس من المهني ولا العلمي رمي المسؤولية على جهة، وكأنها السبب في التخلف الإداري والفكري في المجتمع. إن تصوير المشكلة وكأنها نتيجة سوء أداء الفرد في المملكة، ومستواه المتدني عمليا، وفقدانه للكفاءة، وتبرئة الأجهزة البيروقراطية والمؤسسات الحكومية والوزارات من أخطاء خططها التنموية، هو تصرف من يروم أن يشير بإصبعه إلى الجهة الأضعف. إذا كان أداء الفرد في المؤسسات الحكومية سيئا، فلمَ نجد أداء ذات الفرد في المؤسسات الأهلية وشبه الحكومية أفضل بكثير؟ لمَ هنالك قصص نجاح كبرى لسعوديين في شركات البترول والغاز والصناعات البتروكيماوية والبنوك وسواها.. ومن ساهم في تشييد كل هذه المشروعات الكبيرة منذ تأسيس المملكة وحتى الساعة؟ تجربة بسيطة مثل مدينة الجبيل الصناعية، وما رافقها من وجود أحياء نموذجية، ومرافق عامة وحدائق، وشركات كبرى، أتذكرها جيدا ونحن صغار، وما كانت عليه من تنظيم ونظافة. وكان يقطنها سعوديون وأجانب، وهي تجربة كان يجب أن تستلهم وتعمم. هذه التجربة الفريدة كانت ناجحة، رغم أن القائمين عليها هم من ذات جنس الكسول الذي لا يجيد شيئا، إلا أنها لم تفشل، والسر يكمن في الإدارة والتنظيم ووجود قوانين يتبعها الجميع. المشكلة ليست في الفرد، فهنالك آلاف قصص النجاح لشباب وفتيات من السعودية، يعيشون داخل وخارج المملكة. المعضلة هي في سوء الإدارة وانعدام التخطيط وفي المحسوبيات والفساد. هي مشكلة لدى المديرين التنفيذيين ومن يرسمون خططا تنموية على مقاس مصالحهم، أو وفق تصورهم الضيق، دون أن يكون للناس أي دور في رسم وتحديد مستقبلهم، وكأن هذا المستقبل مفروض عليهم، وكأنهم مسيرون لا مخيرون!. وجود بيئة عمل إيجابية وفيها تدريب للكفاءات ورفع من مستواها الفكري والمهني، ووجود خطط يساهم الناس في وضعها، ومنحهم شفافية الحصول على المعلومة، هو ما يساعد على رفع الإنتاجية، لا مجرد رميهم بـالكسل، وكأنهم السبب في إفلاس سيصيبهم نتيجة سوء أفعالهم!.