اعدل يا محمد.. سجلت هذه الجملة قولا إجراميا يعد أول خطاب خارجي أسس لِنابتة سيكون من شأنها في المستقبل ما يلي: * خروجهم في فرقة من الناس (أي لهم كيان ومنعة وراية يعرفون بها). * يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان. (مع أن مجرد إسلام المرء يلحقه بداهة بأهله من حيث العصمة لدمه وعرضه وماله، إذ لا يجوز الاعتداء عليه بأي حال إلا ما استثني وكان بحق مما توافرت به الشروط وانتفت عنه الموانع)، وهم قد جاؤوا على خلاف بالمرة مما جاء في القرآن محكما محمد رسول الله والذين آمنوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم..، ولئن رأيت فعالهم - اليوم- آمنت بأنهم كأنما قد عمدوا ليكونوا على قلب (عكس) ما جاءت به الآية وهي في معرض ما وصف الله به المؤمنين! * إعلانهم الجهاد على المسلمين. وتلك هي أبرز مشغولاتهم وبها تتجلى صفاتهم (أتى ابن عمر رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا: إن الناس ضيعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبي فما يمنعك أن تخرج؟ فقال: يمنعني أن الله حرم دم أخي. فقالا: ألم يقل الله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة؟ فقال: قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله). وجاءت النصوص (الصحيحة) صريحة في توصيفهم على هذا النحو: * اجتهاد لافت في شأن العبادة! فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم. * لا يفترون في قراءة القرآن غير أنه لا يجاوز حناجرهم. ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئا، وليس بخاف أن الخطاب ها هنا يتوجه إلى الصحابة رضي الله عنهم. * حدثاء الأسنان (مراهقة عمرية). قال ابن الأثير حداثة السن: كناية عن الشباب وأول العمر، وهي مرحلة سنية تتوافر على صفتي الخفة طيشا واستعجالا، وعلى فرط حماسة مع سفاهة. * سفهاء الأحلام (مراهقة عقل وفكر)، قال النووي: صغار العقول، والمعنى أن عقولهم رديئة. وعند ابن الأثير: الأحلام: الألباب والعقول. والسفه: الخفة والطيش. *يقولون من خير قول البرية. وفي حاشية السندي: أي يتكلمون ببعض الأقوال التي هي من خيار أقوال الناس. * يدعون إلى كتاب الله (وفق فهوم فاسدة)، وفي مسلم من حديث علي يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم! وجاء في حديث أبي سعيد عند أبي داود يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله تعالى منه..! ذلك أنهم يخالفون تعاليمه ويقعون في مناهيه. * قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل، إذ يلبسون باطل أفعالهم بشيء من حق أقوالهم، ذلك أنهم يمتلكون إجادة في كلام له فاعليته في المتلقي بسبب من حلاوته، بينما أفعالهم تأبى إلا أن تفضحهم بسوء ما اقترفت أيديهم، ولعلهم بهذه الصفة يسفرون عن منهجيتهم التي تقتات على العبارات، وبث الشعارات الخداعة. وبوسعك أن تشهد هذا اليوم متمثلا بـ داعش، حيث الدعوى الزائفة برفع راية الجهاد، فيما سكاكينهم تشتغل نحرا في رقاب الأبرياء، ولا شيء يستشرفونه إلا إراقة دماء معصومة، يتألون ذلك بحجج واهية لا تزيدهم إلا وحشية تخرجهم بالضرورة الشرعية عن دين قامت دعائمه على الرحمة، واتسمت رسالته بالدعوة إلى السلم والسلام، وحسبك أن صاحبها - بأبي هو وأمي- قد وصفه ربه بالرحمة للعالمين- وليس للمسلمين! * شر الخلق والخليقة. ولقد جاء في تفسير الخلق أنهم الناس، فيما الخليقة البهائم! فأي شناعة هي أكثر تنفيرا ممن هم كذلك سوءا وشرا؟ ومع هذا لا تفتأ تراهم يعدون أنفسهم خيار هذه الأمة، توصيفا يقصرونه على أنفسهم دنيا، في حين يرون أن الجنة لا يمكن أن تتسع إلا لهم في الآخرة، ولهم بهذا جزم يتجاوزون به حق اليقين، وهي درجة لم يحفظ مثلها عن الصحابة من ذي قبل، وبإمكانك أن تشهدهم - أعني نابتة زماننا- إبان استعدادهم لـ قتل أنفسهم وهم في حالة انتشاء، إذ يودعون بعضهم وهم لا يرجونالجنة ويخافونالنار، وإنما قد ضمنوا لأنفسهم مقعد صدق هناك فيما الحور تحيط بهم من كل جانب! * كلاب أهل النار. وفي الحديث الحسن - كما عند ابن ماجة - عن أبي أمامة يقول شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء، وخير قتيل من قتلوا، كلاب أهل النار. قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفارا. قلت: يا أبا أمامة، هذا شيء تقوله؟ قال بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومما جاء في شرح دواوين السنة القول بأن في هذا الحديث ترغيبا شديدا وحثا على قتال الخوارج ومحاربتهم والسعي في ذلك مبادرة لا تعرف الإرجاء ولا التريث، ذلك أن تركهم وهم يعملون السلاح في الأمة إنما هو إفساد في الأرض كبير ليس يصح معه التأول تهاونا وإبطاء. وأضاف آخرون: لا يمكن أن يتصور تنفير من مثل هذا السلوك اعتقادا وعملا أبشع ولا أشنع من وصف أهله بأنهم كلاب النار، ذلك أنه ما من أحد إلا يخشى أن يكون من أهلها، فكيف بمن يدركه الوصف النبوي ليكون من كلاب أهل النار؟ وفي حديث أبي أمامة ما يمكن أن يكون له حظ من النظر في شأن فض خصومة حيال أمر تكفيرهم، إذ جاء في قوله تصريحا بينا لا لبس فيه، حيث قال قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفارا!! * يضعون الآيات التي نزلت على الكفار على المسلمين. وكان ابن عمر يتزعم فريقا من الصحابة يرونهم شرار خلق الله، وقد حفظ عنه قوله في الخوارج انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين. ولا ريب أنهم إنما قد أتوا من قبل نفسيات قلقة مشوبة بجنون عظمة لا تكاد تبارح خطبهم الجزلة بخطاب من الوهم لا يزيدهم إلا انتفاخا وتعاليا. وقد أتوا من قبل بضاعة علمية شرعية مزجاة، ألا تراهم وقد جعلوا أصاغرهم أئمة يهتدون بحماقات فتاواهم، إذ يتخوضون في مسائل تحتاج من التورع إلى ما يقتضي أن يجمع لها شيوخ أهل بدر، ذلك أنها الدماء المعصومة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: * لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما. * لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم. * لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار. نقلا عن مكة