ترشيد الإنفاق العام والحد من حالات الهدر مطلب أساسي في المالية العامة لأي دولة، وتتأكد الحاجة إلى ذلك عندما تنخفض إيرادات الدولة ويصاحب ذلك عجز مالي في ميزانيتها. ميزانية المملكة التي أعلنت قبل أيام شهدت أرقامها عجزاً فعلياً وتقديرياً بسبب الهبوط الحاد لأسعار البترول، الأمر الذي دعا إلى ضرورة ترشيد عمليات الصرف، وخاصة في النفقات ذات الطبيعة الجارية. مصاريف التشغيل والصيانة، والتي تشغل الباب الثالث من أبواب الصرف في ميزانية الدولة، تستهلك قدراً لا يستهان به من المال العام، في ظل اعتماد شبه كامل على مؤسسات القطاع الخاص وعمالتها الوافدة، ومع ذلك تجد الخدمة المقدمة أقل من المأمول ولا تتناسب مع المبالغ المصروفة! لمعهد الإدارة العامة تجربة رائعة أثبتت نجاحها طيلة السنوات الماضية، فهو لم يوكل مهمة التشغيل وخدمات النظافة والصيانة للقطاع الخاص، بل قام بهذه المهمة بنفسه من خلال التشغيل الذاتي. ومن زار المعهد يتجلى له نجاح هذه التجربة، أما تكاليفها فأنا أجزم يقيناً أنها أوفر من عقود التشغيل التقليدية! السؤال هنا.. لماذا لا تعمم تجربة المعهد -وهو قِبْلَة الجهات الحكومية في التدريب الاداري والمالي- لماذا لا تعمم على كافة الوزارات والمؤسسات الحكومية!؟ تعميمها سيوفر الكثير من المال، وسيخلق فرصاً وظيفية للشباب. أيضاً إلى جانب عقود التشغيل والصيانة، ما زالت هناك ممارسات واجراءات يصاحبها هدر للمال العام، دون أي داع لها. فعلى سبيل المثال: الصحف والمجلات الصادرة عن الجهات الحكومية، فقد انتفت الحاجة إليها في ظل وجود مواقع لهذه الجهات على شبكة الإنترنت وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي. أيضاً قيام العديد من الجهات الحكومية بتغيير شعارها أو مسماها أو زي منسوبيها، وما يترتب على ذلك من نفقات نحن في غنى عنها، لاسيما أن التغيير هذا لا يصاحبه أي تطور للخدمة المقدمة!.