إذا كانت شركة «نيتفليكس» الأميركية لا تكشف، ولأسباب تبقيها غامضة، أرقام المُشاهدة لمسلسلاتها الحصريّة، او تلك التي أنتجتها قنوات أخرى، وتعرض على خدمة «المشاهدة وفق الطلب»، المتوافرة اليوم لحوالى خمسين مليون مشترك موزعين على أربعين بلداً، فهي لا تمانع في المقابل في شرح الآليات التي يستند إليها نظام الإنتاج للأعمال الفنيّة الخاصة بها (بدأت به قبل عـامين). فـ «نيتفليكس»، تدرس اختيارات زبائنها، بخاصة فئات المسلسلات والنجوم التي تُشاهَد، لينصب بعدها الاهتمام لإنتاج أعمال تحاكي الاتجاهات الفنيّة الشعبية على الخدمة، كمسلسل الشركة الناجح «بيت من ورق» الذي أنتج بعدما بيّنت إحصاءات الشركة، ولع مشتركين كُثر بالمسلسلات السياسية وأعمال النجم كيفين سبيسي، ليجمع المسلسل ذاك بين النجم المحبوب والقصة السياسية المُشوقة. من هنا، يمكن اعتبار مسلسل «ماركو بولو» الذي بدأت عروضه على خدمة الشركة أخيراً، استجابة للنجاح الكبير للمسلسلات التاريخية الملحمية في السنوات الأخيرة، مثل مسلسل «صراع العروش» الذي يُعَدّ منذ سنوات واحداً من أكثر المسلسلات شعبية في العالم. فـ «ماركو بولو»، والذي يقال إن الشركة صرفت ما يقارب تسعين مليون دولار على إنتاجه، يُشبه في روحه مُسلسل قناة «إتش بي أو»، في عنفه المُفصل، وقصته التي تم أسطرتها، وتوجهه لمشاهد بالغ، والمشهديات الواسعة له والتي تتفاعل مع كُبر شاشات أجهزة التلفزيون في العقد الأخير. يستند المسلسل بخطوطه العامة الى حياة الرحالة الإيطالي ماركو بولو، ابن القرنين الثالث عشر والرابع عشر. تتداخل الأزمان في الحلقة الأولى، فنرى الرحالة كرجل ناضج في مدينته الإيطالية (فينيسيا). بعدها تسترجع حياة ماركو بولو مع الرحلات والتي بدأها مع أبيه التاجر، اذ يُقال إنهما أول الغربيين اللذين اكتشفا «طـــريق الحرير». ستعجب فصاحة الشاب ملك المغول وحفيد القائد جنكيز خان (قوبلاي خان)، الـــذي يـــقرر أن يبقيه في مملكته ويعلمه فنون القتال واللغات المحلية، ليكون الشاب الفتيّ في قلب الأحداث التاريخية العاصفة لتلك الأزمان. وعلى رغم إن العمل عن الرحالة الإيطالي، الا ان هذا الأخير لن يستحوذ على الاهتمام كله، بل يُدفع أحياناً الى الخلفية، لمصلحة الأحداث التاريخية، بخاصة الحرب الطويلة بين مملكة المغول والإمبراطورية الصينية، والمؤامرات والدسائس التي كانت تحاك في المعسكرين، فيما بقي ماركو بولو متفرجاً على ما يجري من حوله في معظم الحلقات الخمس الأولى من الموسم الأول. يجمع العمل مجــموعة كبيـــرة مــــن الممثلين من أصول آسيوية، الـــذين يتحدثون الإنكـــليزية (لُغة المسلسل). هذا لن يمر بلا مشاكل. فأحياناً، كان من الصعب تتبع الحوارات بسبب اختلاف اللكنات وثقل بعضها. الأمر ينطبق على البطل الإيطالي الشاب نفسه، والذي كانت إنكليزيته المتواضعة إحدى معضلات التفاعل مع قصته وحواراته، هذا إضافة الى محدودية موهبته كممثل، ومساحة دوره، في سيناريو ضاق بالعدد الكبير للشخصيات، وفي ما يَوَدّ قوله، وأحياناً اتجاهه الى الإثارة المفروضة على المسلسل، بخاصة في مشاهد الجنس المُفرطة بطولها وما تكشفه من تفاصيل، وأيضاً في مشاهد العنف الشديدة القسوة. هذا لا يعني إن المسلسل ضَلَّ الطريق بالكامل، فكثير من مشاهده نُفذ بإتقان، وبعض الشخصيات مُثير. مثل ملك المغول، بشخصيته المُركبة القاسية، الذي يكاد يستحوذ على أي مشهد يظهر به. كما إن هناك إمكانية للتطور في المواسم المقبلة، بعد أن تتدعم علاقة ما بين مشاهديه والشخصيات على الشاشة. هذا سيحتاج الى سيناريو مُتقن يعرف كيف يربط بين العام والخاص، ويـــمنح شخصياته الأساسية العمق الكافي ليجعل مشاهدتها مُثيرة واكتشافاً متجدداً، وهو الأمر الغائب عن المسلسل، اذ يبدو موسمه الأول فــي مجمله، مفككاً ومن دون تصاعد درامي واضح، وكأنه تمهيد طويل جداً للمواسم المقبلة.