أعتقد أننا قد خلقنا طيلة السنوات الماضية مناخاً ملائماً للتسول أتاح المجال للمتسولين وفتح الباب أمامهم وعلى مصراعيه للإثراء وتشويه المنظر العام، والكسب بأسهل الطرق. طبعا ما حدث كان بكامل رضا منا بل إن الثقافة الاجتماعية المستمدة من الدين بطريقة خاطئة منحت المتسولين مساحة رحبة للتحرك في كل مكان يتواجد فيه أهل البر والإحسان. في الحرمين الشريفين في مكة والمدينة وفي المساجد وفي الأسواق وعند إشارات المرور وأمام أبواب البنوك وأجهزة الصرف الآلي. هذه البيئة المناسبة لنمو وازدهار مهنة التسول حولها إلى تجارة.. لا يتحرك أي متسول بمفرده بل أنه يعمل وفق خطة مرسومة تعتمد على المستهدف أو ما يسمى بال «target». يوزع أعضاء الفريق من كبار سن ونساء وأطفال من الصباح الباكر بسيارات قديمة ويجمعون في آخر النهار بعد قيامهم بمهامهم لجمع أكبر قدر من النقود فيأخذ كل واحد قسمته.. يحدث هذا أمام صمت مطبق من المجتمع وثقافة متحجرة تستدعي التغيير، فتوزيع الصدقات على من يستحق ومن لا يستحق ساعد بشكل مباشر في تكاثر أعداد المتسولين والذين باتوا يبتكرون كل يوم أساليب جديدة مثيرة لشفقة وعطف الناس ولا تستغرب أن ترى متسولاً يزحف على ركبتيه أو يظهر مقطوع اليدين، أو امرأة تحمل طفلاً رضيعاً. يبتدعون كل يوم أشكالاً جديدة لجلب الأموال تحت ستار الحاجة والفقر. لن أتحدث عن الجهة المسؤولة وهي مكافحة التسول فنتائجها غير ملموسة وأخشى أن تكون في حالة موت سريري لأن دائرة التسول تتسع يوماً بعد آخر دون أن تجد من يردعها أو يحد منها.. من يتم القبض عليهم يعودون بعد إطلاق سراحهم لممارسة مهنتهم من جديد وكأن شيئا لم يكن. في تقرير للجنة الأمنية لمكافحة التسول بمنطقة الرياض وهي لجنة كما يبدو لا علاقة لها بمكافحة التسول أو رأت تلك اللجنة حقائق وأرقاماً ونسباً تستدعي التأمل لإصلاح الأوضاع؛ ففي عام 1435هـ تم ضبط 8757 متسولاً في منطقة الرياض فقط. الغريب أن أكثر من70% منهم غير سعوديين ومن جنسيات من بلدان عربية وغير عربية ولو أضفنا لتلك الأرقام من لم يتم ضبطهم وأعداد المتسولين في بقية المناطق فسيكون الرقم مخيفاً. الغريب أن معظم من يدعون الفقر والحاجة غير سعوديين. وهنا سيثير هذا الوضع أسئلة كثيرة عن الصفة التي يقيمون فيها داخل المملكة؟ وهل تم استقدامهم لمهن معينة وتم تشغيلهم في التسول، أم أنهم هربوا من كفلائهم؟ أم أن الكفلاء يتسترون عليهم؟ أم أن بعضهم وخاصة من دول مجاورة قد دخلوا إلى المملكة عن طريق التهريب ولم يجدوا عملاً يتكسبون من ورائه إلا الشحاذة ليتحول منظرنا العام وكأننا في مقدمة البلدان من حيث أعداد المتسولين بينما الواقع يقول غير ذلك؟. من مصلحة بلادنا القضاء على هذه الظاهرة وخاصة المتسولين من خارج الحدود، أما من هم بحاجة للمادة من السعوديين فأين وزارة الشئون الاجتماعية عنهم؟.. وأين دور جمعيات البر في تنظيم العمل الخيري وتوعية الناس لإيصال صدقاتهم عبر القنوات الرسمية؟.