ومازال الحديث عن الفساد مستمرًا بقلم الكاتب الصحفى/ د. محمد سالم الغامدى وكالعادة غشقة مطر تكشف القليل من المستور من ذلك الفساد المتوفر في بعض مؤسساتنا بمدينة جدة وغيرها من المدن، فبالرغم من قتامة التجارب السابقة والمريرة التي عاشتها مدينة جدة في أعوام سابقة عند هطول الأمطار والتي كشفت من خلالها الكثير من سوءات المشروعات المغشوشة في تخطيطها وتنفيذها كما كشفت الكثير من الممارسات الفسادية للذين فرطوا في تنفيذ الأمانة التي أوكلت إليهم من قبل ولي الأمر -رعاه الله- وأهدروا الميزانيات التي تُمنح لمؤسساتهم بتنفيذ مشروعات متهالكة تفتقد لأبسط معايير الجودة، ولعل هذا الحجم الهائل من شواهد ذلك الخلل التي لمسناها ونلمسها بين فترة وأختها تفضح مثل تلك الممارسات، وتضع القائمين عليها أمام طائلة المساءلة والمحاسبة، وليتها تتم أمام الرأي العام كي تكون عبرة لمن يعتبر ودرسًا لمن يتولى تنفيذ أمانة أوكلت إليه وفرط فيها، ومن الضرورة ألا نتجاهل الإفصاح عن المتسبب، فمازلنا ننتظر نتائج تحقيقات قضية سقوط المواطن علي منشو وابنه في حفرة بشارع التحلية بعد وعود كثيرة بالكشف عن المتسبب!! ولعلي هنا اكتفي بالقدر اليسير من الأمثلة على تلك الجوانب الفسادية بما تتسع له هذه المساحة فأقول: إن أرواح المواطنين هي الأغلى، لذا فإن كل ما يُعرِّض تلك الأرواح للهلاك يأتي في المقدمة، ولعل حُفَر الصرف الصحي التي أُطلق عليها حفر الموت التي تنتشر في كثير من شوارعنا وذهب ضحيتها الكثير من الأرواح البريئة، ومازال العشرات إن لم يكن المئات منها مفتوحًا تنتظر أرواحًا أخرى لتبتلعها، تلك الحفر التي يتحمل مسؤوليتها أولاً الشركة السعودية للمياه والصرف الصحي والتي أراها تُركِّز فقط على تحصيل رسوم إيصال خدمات الصرف الصحي إلى بيوت المواطنين، اكتفت بذلك وتركت القرعى ترعى دون صيانة أو خدمة جيدة، بل أراها لا تتحرك إلا بحدوث كارثة، كانفجار ماسورة أو غرق مواطن في حفرة أو باختلاط مياه الشرب بالصرف، أما الصيانة المستدامة فهي بالتأكيد مفقودة بعد أن تحوّلت مهامها الرئيسة الى جلب الرسوم الدورية فقط والتجوال الترفيهي بين الدول والمدن. ثم تأتي أمانة مدينة جدة التي سنكتفي بالإشارة إلى الأهم منها فنقول: إن الكثير من مشروعات الأمانة وكافة فروعها بالأحياء رثة ومتهالكة، ولعل المطر القليل الذي حط على أرض جدة قد أشار بأصابع الاتهام إلى كل مسؤول فيها، حيث اتضح سوء سفلتة الشوارع وتعرجاتها، التي أبانتها تلك البحيرات التي انتشرت في شوارع مدينة جدة، وتلك الحفر التي شوّهت كل زاوية من زواياها، أما الأكثر إيلامًا فهو استمرار الأمانة في الموافقة على بيع تلك المخططات في مجاري السيول والتي يجري تنفيذها هذه الأيام في قلب مدينة جدة ومجرى السيل يخترق منتصفها، ولا يزال مفتوحًا ورديء التنفيذ وقابل للفيضان على من حوله عند هطول المطر، ولعل مجرى السيل بحي الصفا 9 وامتداده شرقاً يحكي ألف حكاية وحكاية.. فهل من مجيب؟! وأما شركة الكهرباء فليست ببعيدة عن سابقاتها، حيث أراها أشغلت نفسها بجمع حصيلة الرسوم من المنازل أكثر من انشغالها بإيصال التيار الكهربائي إلى الأحياء التي جاء الأمر الكريم بإيصال التيار إليها، وأهملت جانب الصيانة، حيث نرى الكثير من أعمدة الكهرباء مكشوفة الكيابل، ونرى الكثير أيضًا من إضاءات الشوارع مُعطّلة، ممَّا سهّل أمر عصابات سرقات المنازل والمركبات.. والله من وراء القصد.