في قضية الفساد هناك منطلقات كثيرة يمكن التحدث عنها ولكن من وجهة نظري الفساد لا يعني عمليات إهدار المال العام فقط أو استغلاله بطرق سلبية، الفساد عملية اختلال في الأخلاق أيضاً يدفع المجتمع ثمنها غالياً وتكون نتيجتها إهدار المال العام، وإنهيار منظومة القيم المجتمعية وانحسار التنمية وفساد إجراءاتها. المثقف والمثقفة معاً كما يبدو لي في هذا الجانب يجب أن يتجاوز دورهم للفكرة الوعظية في محاربة الفساد فهم يدركون الحقيقة الكاملة حول الفساد فالتقليل من خطر الفساد عملية تبريرية يحصد المجتمع ثمنها تدريجياً كما أن التهويل في وجوده عملية تخلق التطرف والمبالغة، لذلك يجب أن يلعب المثقف دوراً أخلاقياً وقيمياً مرتبط بحيوية المثقف الكاملة ومشاركته في أنشطة المجتمع الثقافية والمدنية لمحاربة الفساد. وعندما يكون الحديث عن الثقافة تظهر في الواجهة مجموعة من الأسئلة حول ماهية مصطلح الثقافة والمثقفين، ومن حيث إن المقصود من ذلك المدلول هو الفعل الثقافي وليست الثقافة بمفهومها الشامل، حيث تواجد مكونات المجتمع التاريخية والتراثية والفنية إلى آخره من محتويات الثقافة كما يراها منظور علم الاجتماع. كما أن الدور الثقافي المتمثل في الفعل الثقافي للمثقف يعبر عن قدرات ذلك المثقف أو المثقفة على قيادة التغيير أو ممارسة التأثير في قضية فكرية تهم المجتمع أو تساهم في إصلاحه، ولعل قضية الفساد من القضايا المهمة التي يستطيع الفعل الثقافي من خلال الكتابة أو التوجيه أو الخطاب المباشر أن يحدث فرقاً، ولكن الأمر يتطلب شروطاً مهمة وأساسية بحيث إن دور المثقف يشكل المفتاح الفكري لمناقشة قضية الفساد في المجتمع، ومن هنا يجب أن نبدأ في فهم الصورة الحقيقة لظاهرة الفساد كما يراها المثقف. نعود لسؤال عنوان المقال من هو المثقف في مجتمعنا؟ الذي يقود مكافحة الفساد من خلال مساهمة فكرية واضحة؟ من وجهة نظري إن كتابة مقال أو إلقاء محاضرة حول مكافحة الفساد ليس هو المطلب الوحيد لتحقيق دور بارز للمثقف السعودي الذي تنتمي إلى منظومة فكرية تساهم في إعادة توجيه المجتمع وبناء أسسه المؤدية إلى تكريس الوعي لديه. المثقف التي أتوجه إليه وأتحدث عنه هو "المثقف الحيوي" وما أقصده بالمثقف الحيوي هو ذلك المساهم في بناء جسور أكبر بينه وبين المجتمع ولا يتوقف بمجرد أن يكون كاتباً يبحث عن المشكلات والمعضلات والأزمات بأنواعها لتحلليها فكرياً ثم يطرحها عبر مقالة، هذا الإطار قد يكون مفيداً في بعض الموضوعات ولكن في قضية الفساد لابد من "المثقف الحيوي" أن يساهم في ربط البعد النظري بالبعد التطبيقي، فمحاربة الفساد في جوانبه الفكرية يقوم على مبادئ يجب أن يعتنقها الفرد وإلا لن تكون ذات فائدة. والإصلاح أولاً ينبعث من بذرة المجتمع وبنيته، حتى الدساتير والقوانين والثقافة الحقوقية هي حالة اجتماعية تأتي بعد غليان اجتماعي متحضر، حيث تُصحّح الأفكار وتعدل الثقافة ليشعر حينها الناس بنموّهم وقابليتهم لتحقيق ما يطمحون إليه، ونحن نعرف أن الدستور لا يمكن تأليفه كما تؤلف الكتب، بل هو نتاج جوهر المجتمع ورئة ثقافة ناسه، و"الإصلاح" -مثلاً- مفهوم عائم لدى كل شخص مفهوم يختلف من شخص لآخر، فالإصلاح عموماً أساسهُ "القضاء على الفساد"، وهذا ما أمر به الملك (حفظه الله) بتأسيس هيئة لمكافحة الفساد. سوى أن المثقف كمُنتِج للثقافة المجتمعية؛ أو موجّه للرأي العام، خصوصاً في دوره كمنتج رئيس للإيديولوجيا الاجتماعية الشفوية وهي: "القانون غير المكتوب الذي يحكم وينظم ردود الأفعال اللفظية والسلوكية لدى الأفراد، وتكمن خطورتها في إستشرائها وتغلغلها في عمق الوجدان الشعبي واللاشعور الجمعي إلى الحد الذي تصعب معه إمكانية حصرها ضمن نطاق معين، وبالتالي فإن التصدي للجانب السلبي منها عبر حزمة من القوانين أو الأنظمة قد يبدو مستحيلاً، وهو ما يتطلب عادة الإكتفاء بالعمل الحثيث على تفكيك حلقات الجانب السلبي من منظومة الثقافة السائدة بهدوء، وإعطاء عامل الزمن الفرصة الكاملة ليفعل فعله على صعيد التراكم الكمي والتراكم النوعي. لذلك فإن الإعلام عليه أن يلعب دوراً هاماً في عملية إزدراء الفساد والمفسدين إجتماعياً وإشاعة ثقافة التصدي لهذه الظاهرة، كما أن المجتمع يمتلك قوة الردع لها إذا استخدم الوسائل المناسبة التي يمتلكها، فالإعلام له قوة اجتماعية واقتصادية هامة في المجتمع، وهي قوة رئيسية في تشكيل الرأي العام، وبالتالي له تأثير قوي على الجهود الوطنية، كما أن الإعلام يؤثر بشكل مباشر على أفراد المجتمع من خلال قدرة وسائل الإعلام الوصول إلى فئات كبيرة من المجتمع تنطلق من قدرتها في مخاطبة جماهير عريضة في وقت واحد، وهذه خاصية من خصائص الإعلام الجماهيري بما يمكن معه التوجيه الجماعي نحو هدف أو قضية معينة وإستنهاض الرأي العام لعمل ما سلباً أو إيجاباً وبث مشاعر معينة تحرك الجماهير نحو سلوك أو قرار محدد وكما هو معروف عن مجتمعاتنا أنها مجتمعات عاطفية فنجد وسائل الإعلام تحاول أن تستميل الجمهور لصالحها عن طريق تحريك مشاعر العاطفة لديهم.