للسرقة أنواع، النوع المادي وهو المتعارف عليه والذي يعني أخذ مال الغير بغير وجه حق، ويعاقب عليه الشرع متى ثبت جرمه وبشروط معينة لقوله تعالى: «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا»، والنوع المعنوي كسرقة الأفكار والأعمال والقلوب والسعادة والعمر....الخ، والتي لا تجد من يعاقب عليها في حال ثبوتها. دعنا من السرقات المادية الظاهرة للعيان والمحسوسة في عالم المادة والمحسوبة في الشرع ولنركز على السرقات الأدبية "المعنوية": فهناك لصوص القلوب، ولصوص المعاني، ولصوص السعادة، ولصوص العمر، ولنتحدث عن كل منها بمختصر مفيد. لصوص القلوب وهم إناس مخادعون يبطنون غير ما يظهرون فترة من العمر قد تطول وقد تقصر، لكنهم يستطيعون من خلالها السطو على قلوب الآخرين بالكلام المعسول تارة، وبالحيلة تارة أخرى، حتى تنتهي القصة بمآسٍ حقيقية ربما تجريده من ممتلكاته، وأغلبها تركه مكسور القلب محطماً يعاني من الاكتئاب والمرض النفسي والصدمة العاطفية، وهذا أبسطها وهو يمارس حياته وكأن شيئا لم يكن!! وهذا النوع أخطرها. لصوص المعاني والأفكار والعلم والجهد، فكم رأينا من مؤلفات ودراسات ينزع عنها الغلاف وتنسب لآخرين بعيداً عن الأمانة العلمية والأدبية. لصوص السعادة، وقد أرتنا الحياة صوراً متعددة لأناس قلوبهم مظلمة كلما أتوا على جمع سعيد ومناسبة سارة أحالوها إلى مشهد حزين، وهنا تكمن سعادتهم، فالكل حزين وهم سعداء بفعلتهم، ويالها من سعادة ظالمة، يظهر التناقض من خلالها بين شخصية من وهبه الله حب إدخال السرور على الآخرين، وتلك الشخصية الأنانية النافرة والتي تعرف بسارقة السعادة من وجوه الآخرين. وأخيراً، سرقة العمر، فعمر الإنسان -مجازاً- لا يقاس بالسنين، وإنما بلحظات السعادة والأعمال النافعة والمواقف الإيجابية التي عاشها في حياته، وكان لها أثرها الإيجابي في الوسط المحيط به، ويُخصم من هذا العمر كل فترة يعيشها الإنسان بين أهله أو مع شريك عمره يقضيها في عذاب وصراع وخلافات على أشياء زائلة وأخرى تافهة وغير منطقية تقلب حياته من سيئ إلى أسوأ، وهذه مشكلة بحد ذاتها يجب الوقوف عندها وتأملها، خاصة عندما تحدث من الأقربين فيكون الجرح أعمق وأدمى، ويحضرني هنا قول الشاعر: "وظلم ذوي القربى أشد على ... النفس من وقع الحسام المهند". تلك مواقف مؤلمة ومآسٍ حقيقية قد نعيشها وقد نلمسها ونراها في حياتنا أو حياة الآخرين سرقات مختلفة لا يعاقب عليها القانون، وليس لها حسيب ولا رقيب سوى الضمير، وهل هناك أقوى من عذاب الضمير؟ «ورد في الأثر أن كليم الله موسى عليه السلام قال: يا رب أين أجدك ؟ قال: عند المنكسرة قلوبهم».