مع حلول الأيام الأولى من شهر أغسطس، تعود بنا الذكريات إلى أيام الغزو المريرة بكل ما فيها من آلام وذكريات ودروس وعبر، وتعرض أمامنا الكثير من المشاهد والتفاصيل التي تحيي فينا الأمل بقدر ما توجعنا، وتجدد فينا العزيمة بقدر ما تؤلم القلب، لأن صلابة الشعب الكويتي وتمسك بتراب أرضه وايمانه بتاريخه وتراثه، كان درساً للعالم أجمع، كيف أن الحقوق لا تضيع إذا كان وراءها شعبٌ مؤمن مطالبٌ بحقوقه، وعاشقٌ لتراب أرضه، فالأرض الطيبة لا تنسى دماء الشهداء. أعود اليوم لأتحدث عن ذكريات الغزو لأنه أصبح لدينا أجيال جديدة من شباب الكويت وبناتها ممن لم يشهدوا الغزو وذكرياته والحمد لله على ذلك؛ ولكنهم يجب أن يتعلموا الدرس ويفهموا ويدركوا كيف نهضت الكويت بشعبها، وكيف استعادت الأرض الشعب، وكيف جدد الشعب بيعته لقيادته في مواقف تاريخية شهد لها العالم أجمع بالحضارة والرقي. فمن المعلوم ان الأزمات هي التي تصهر الشعوب وهي التي تصنع الحضارات، وأزمة الغزو أخرجت وأظهرت المعدن الأصيل للشعب الكويتي الذي رفض الذل والخنوع، فهل نعلم أولادنا كل هذه الدروس العظيمة، أم نكتفي فقط باحتفالات التحرير، واحتفالات هلا فبراير؟ فالكويت تمر الآن بمرحلة مهمة تحتاج فيها إلى رسم الطريق الواضح نحو المستقبل، والعمل على إعادة بناء الانسان الكويتي للمشاركة في ركب الحضارة، والاهتمام الحقيقي - لا المتاجرة - بأحلام وقضايا الشباب، الذين ملوا من كثرة الوعود وكثرة الكلمات البراقة، مع ضرورة عودة الدور الفاعل والحقيقي لرجال الدين في المجتمع لمحاربة الظواهر السلبية التي تضر الأسرة الكويتية وتفتك بالشباب. أتذكر الغزو وأنا في شدة الخوف لأني والكثيرين لا نرى رؤية واضحة لمستقبل الكويت، ولا ندري إلى أين المتجه وإلى اين الطريق؟ بالإضافة إلى العديد من خطوات التخبط وعدم وضوح الرؤية في العديد من القضايا العامة، والصراعات التي تملأ جوانب العديد من المؤسسات الهيكلية في الدولة، وتفضيل المصالح الشخصية على المصالح العامة، ما يؤدي إلى إرضاء اشخاص على حساب الآلاف. والحقيقة أن من يرى ويعي ويدرك، يعلم جيداً أن حين جاءنا الغزو، واجتاحنا الطوفان، غرقت كل السفن الشخصية، وبقيت فقط سفينة الوطن التي تشبث بها جميع ابناء الشعب، حتى نجوا ونجا الوطن بفضل الله تعالى. فاعلموا أن الكل زائل وأن «سفينة البوم» الكويتية هي الباقية، وهي القادرة على أن تعود بنا إلى بر الأمان. أعود بالذكريات إلى أيام الغزو، ليس من قبيل الندب والنواح واجترار الأحزان والآلام، وانما من قبيل التعلم والاعتبار من دروس الماضي، والاستعداد والبناء للمستقبل، فيجب علينا أن نعمل على بناء شبابنا ونعلمهم ليكونوا رجالاً أشداء، اذا ما جد خطبٌ من خطوب الزمن. هكذا هي الحياة، وهكذا هي حكمة الأيام. كتبت كلماتي هذه، ليس من قبيل اليأس والقنوط؛ فأنا لست منهم ولا أحب المتشائمين والقانطين، وانما كانت كلماتي من باب وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين، والذكرى واضحة والدرس مثبت في كل صفحات التاريخ الكويتي، فساعة الطوفان، تغرق كل المصالح الشخصية الضيقة، ويهرب أصحاب المصالح، ولا تبقى الا سفينة الوطن، وشعب الكويت العظيم يقودها نحو بر الأمان. فهل نسينا الطوفان؟ أرجوحة أخرى: ظهر «هشتاق» بعنوان «قرطوع» وانتشر كالنار في الهشيم. والعجب أن كلمة قرطوع تقال للعشيق أو العشيقة، وهي جزء صغيرة من العطاء. فهذه الكلمة السحرية ذكرتني ببيت شعر مشهور ومتداول قديماً، وها أنا أعيده بتصرف بسيط «بليز قف مي يا مواطن قرطوع *** بكوز أملي جيبي الطفراني»... ومنا للحكومة الرشيدة التي تركز عينها على قرطوع المواطن المسكين، وتركت ملايين الشويخ الصناعية، للتاجر على السكين. mnawr@yahoo.com