صدرت موافقة المقام السامي على إعادة استخدام المدفع الصوتي في المدينة المنورة بدءا من شهر رمضان المبارك للعام الهجري الحالي 1436ه، وذلك لما يملكه من إرث تاريخي تناقلته الأجيال في المدينة المنورة جيلا بعد جيل. وجاءت الموافقة الكريمة في ضوء ما رفعه الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية، بناء على ما رفعه الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة المدينة المنورة، بشأن رغبة أهالي المدينة المنورة في إعادة استخدام المدفع الصوتي بالمدينة المنورة خلال شهر رمضان المبارك أسوة باستمرار استخدامه في منطقة مكة المكرمة. وجاءت موافقة المقام السامي تحقيقا لآمال وتطلعات أهالي المدينة المنورة وحرص واهتمام الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة المدينة المنورة، بالتراث والموروث المديني الذي تحتضنه طيبة الطيبة، ودعما للاستمرار الذي اكتسبته المدينة المنورة عبر التاريخ. ومن خلال الموافقة الكريمة، فإن المدفع الصوتي سيعاد استخدامه مرة أخرى في المدينة المنورة خلال شهر رمضان المبارك بعد أن صمت خلال فترة من الزمن. وبعودته، يسترجع الأهالي الإرث التاريخي الكبير الذي كان يمثله لهم المدفع الصوتي، الذي ارتبط بالشهر الكريم وأول أيام عيد الفطر السعيد، حيث يتم من خلاله إعلان دخول شهر رمضان المبارك، في وقت كان فيه هو الوسيلة الوحيدة التي تصل لجميع أهالي المدينة المنورة. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» الباحث في تاريخ المدينة المنورة الدكتور تنيضيب الفايدي، أن المدفع المديني قبل توقفه منذ 18 عاما كان له موقعان؛ الأول كان في قمة جبل سلع الذي يعتبر أقرب الجبال للمسجد النبوي، في حين كان الموقع الثاني بإحدى القرى التابعة لمنطقة قباء، مؤكدا في الوقت نفسه أن هذان الموقعين لا يوازيان حاجة المدينة المنورة في ظل التوسع العمراني الذي شهدته أخيرا، مطالبا بزيادة موقعين، على أن يكون الموقع الأول في حي العزيزية، والثاني في جبال وعيرة، بحيث يصبح إجمالي المدافع بالمدينة المنورة 4 مدافع. ويسترجع الدكتور الفايدي الذكريات الجميلة للمدفع ومكانته في نفوس أهالي طيبة، مشيرًا إلى أن كثيرا من الذكريات ارتبطت تاريخيا بالمدفع الصوتي، ومن أشهر الأناشيد والأهازيج الترحيبية بقدوم شهر رمضان أنشودة «جابوه ما جابوه»، فيخرج الأطفال عند سماع صوت المدفع بشوارع المدينة ويرددون تلك الأناشيد ويدخل صوت المدفع البهجة والسرور في نفوس الأهالي، وخصوصا الأطفال. ولمح إلى أن المدفع الصوتي كان مظهرًا أساسيا من مظاهر شهر الخير، كما أنه إحدى أهم العادات التي ارتبطت بأيام شهر رمضان وليلة اليوم الأول من عيد الفطر السعيد، وأوضح الفايدي أن المدفع الصوتي رمز من الرموز التي عاصرتها الأجيال في المدينة المنورة بمختلف العصور، مؤكدا أن إعادته هي إعادة للحمة اجتماعية كان يشترك في سماعها جميع أهالي المدينة المنورة في مختلف الأرجاء والمواقع، كما أن له قيمة وفائدة اجتماعية يشعر بها جميع الأهالي في المدينة المنورة، حيث ارتبط بإعلان الفرح وإعادة الذكريات. وذكر أن المدفع الصوتي له علاقة وثيقة بشهر رمضان المبارك منذ مئات السنين، وعند توقفه خلال الفترة الماضية افتقد الكثير من أهالي المدينة المنورة سماع صدى ذلك الصوت. وقال الفايدي إن أهالي المدينة المنورة يشعرون بمتعة حقيقية عندما كانوا يحرصون على الوجود في ساحات المسجد النبوي الشريف بصحبة أبنائهم انتظارا لسماع صوت المدفع. وذكر أن المدفع كان يعلن دخول الشهر الكريم من خلال عدد من الطلقات المتتالية في الليلة الأولى من ليالي الشهر الكريم، وأضاف أن إعلان الإفطار في أيام شهر رمضان كان يتم عن طريق طلقة واحدة وكذلك إعلان وقت السحور، وأضاف أن الطلقات المتتالية تعود بعد ذلك ليلة اليوم الأول من عيد الفطر، وكذلك بعد صلاة العيد التي تكون هي اختتام أصوات المدفع الصوتي، ليعود بعد ذلك خلال شهر رمضان من العام التالي. وفي سياق متصل، أكد لـ«الشرق الأوسط» الدكتور فهد بن مبارك الوهبي، عميد التعليم عن بعد بجامعة طيبة والمهتم بتاريخ المدينة المنورة، أن في عودة انطلاق مدفع رمضان عودة إلى تراث جميل تعودته أقطار كثيرة في العالم الإسلامي، حيث كان لصوت مدفع رمضان كل ليلة وقت الإفطار وعند أذان الفجر وقع جميل في آذان الصائمين الذين تعودوا لسنوات طويلة، بل لعقود، على الاستماع له، كما كانت الفرحة تنطلق مع أصوات المدفع الذي كان يؤذن بدخول شهر رمضان أو بحلول ليلة العيد. إنها عودة لسيل من ذكريات جميلة تعبر في مسالك تاريخ المدينة الجميل، مبديا شكره للأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة المنورة على حرصه على تأصيل التراث المديني والمحافظة عليه.