في مؤتمر صحافي مطول في موسكو يوم الخميس، أجاب فلاديمير بوتين على سؤال حول وضعه باعتباره أكثر أعزب لائق في روسيا. وأكد الرئيس ذو الوجه الجامد وعميل الاستخبارات السوفياتية السابق، الذي كان يرتدي حلة متموجة وربطة عنق أرجوانية اللون، لجمهوره أنه يحب امرأة ما وأن هناك امرأة تحبه. في الأسبوع الذي انهار فيه الروبل في ساعات النهار ورفع البنك المركزي أسعار الفائدة في منتصف الليل، قدم بوتين ردودا غامضة مماثلة حول كيفية اقتراحه لإخراج روسيا من أسوأ اضطرابات اقتصادية منذ عام 1998. وحذر الشعب الروسي بأن عليه أن يعد نفسه لعامين من المشقة، وأشار إلى أنه بعد 15 عاما في الكرملين، قد ينوع أخيرا الاقتصاد الروسي بدلا من اعتماده على الطاقة والمواد الخام والصناعات العسكرية. لكن بوتين لم يعطِ تفاصيل تذكر - وبقي محتدما ومتحديا، ملقيا اللوم جزئيا على عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتسببها في المشكلات الاقتصادية في روسيا، وعزا أزمة أوكرانيا إلى محاولات حلف شمال الأطلسي نزع مخالب الدب الروسي. وقال: "أحيانا أعتقد ربما سيكون من الأفضل للدب الروسي الجلوس هادئا، بدلا من المطاردة حول الغابة وراء الخنازير – أن يجلس ويتناول التوت والعسل بدلا من ذلك. ربما يتركونه بسلام". وأضاف: "لكنهم لن يفعلوا ذلك. لأنهم يحاولون دائما وضع سلسلة حوله، وبمجرد أن ينجحوا في ذلك، سيمزقون أنيابه ومخالبه". وراء الصور الحية من غابة سيبيريا، كان مزاج العاملين مع بوتين كئيبا. انهيار الروبل أجبره على اعتراف رصين بالواقع في إدارته وعبر موسكو. قال شخص من إحدى الأسر المقربة من الرئيس: "وزارة المالية كانت تقوم باحتساب سعر صرف الروبل الذي من شأنه أن يدفع الميزانية باتجاه الخسارة. لقد بدأنا بتخمين سعر صرف الروبل الذي سوف يعني نهاية فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين". وقال فلاديمير ميلوف، نائب وزير الطاقة السابق، الذي تحول إلى سياسي معارض: "لا يوجد وقت. نحن بحاجة إلى التصرف، والتصرف بشكل جذري"، محذرا من أن روسيا عالقة في أزمة سيولة وديون وأزمة ميزانية وأزمة ثقة المستثمرين. وكتب في مشاركة له على مدونة: "من وجهة نظر سياسية، إحداث تغيير في الحكومة وقيادة البنك المركزي لا يساعدان في الأمر، لأن كل الأزمات الثلاث من عمل رجل واحد: الرئيس الحالي بوتين". وأضاف: "استقالته أمر لا غنى عنه للتغلب على هذه الأزمات، لأنه بعد 15 عاما في السلطة، لم تعد هناك ثقة به". وبصرف النظر عن ميلوف وقليل من الليبراليين المشابهين له في التفكير، الذين يعارضون بوتين، لا يوجد كثيرون في روسيا من الذين يعتقدون أن أزمة الروبل ستكتسح الرئيس وتخرجه من منصبه. وقال مسؤول الكرملين السابق: "ليس هناك معارضة قادرة على البقاء. لقد قام بوتين بعمل جيد في تأكده من عدم وجودها". وأضاف: "بالأحرى، السؤال الآن يدور حول كيفية قيامه بإعادة ترتيب رئاسته مرة أخرى لتتناسب مع الوضع الطبيعي الجديد". "الوضع الطبيعي" لم تكن كلمة على لسان الآلاف من الروس الذين توافدوا إلى المصارف الأسبوع الماضي لشراء الدولار واليورو في مقابل الروبل الذي انخفضت قيمته على نحو متزايد بصورة لا يمكن التنبؤ بها. وفي وقت من الأوقات يوم الثلاثاء، انخفض الروبل بنسبة 36 في المائة - وتغير المزاج في الشوارع من شعور بالقلق إلى شعور صريح بالخطر. وفي أحد فروع سبيربانك، أكبر مصارف روسيا، في موسكو، قال صراف لـ "فاينانشيال تايمز" إنه كان لديه في الصندوق 100 دولار فقط بحلول الساعة السابعة مساء، مع أنه بدأ اليوم بمبلغ مقداره 100 ألف دولار. تعثر الروبل الروس الآخرون الذين يخشون أن تكون قد فاتتهم فرصة شراء الدولار بسعر مناسب، حولوا روبلاتهم إلى سلع ملموسة. وتدفق المتسوقون إلى متاجر الإلكترونيات ومنافذ بيع أيكيا في وقت متأخر من الليل، لكن تقلب الروبل كان كبيرا لدرجة أن الشركات أغلقت المتاجر على الإنترنت بغرض إعادة حساب الأسعار. وقال أوليج كوزمين، وهو مسؤول سابق في البنك المركزي الروسي يعمل الآن خبيرا اقتصاديا في رينيسانس كابيتال، وهو مصرف استثماري: "عندما تشاهد تدافعا ضخما لسحب الأرصدة من المصارف، فهذا يعني أنك في أسوأ نقطة". وكانت الظروف التي أدت إلى تعثر الروبل موجودة منذ أشهر، وهي تشمل الانخفاض الحاد في أسعار النفط الذي يعتبر الصادر الرئيس لروسيا، والعقوبات الغربية التي تجعل من الصعب على الشركات الروسية إعادة تمويل ديونها الخارجية، وخسائر هزت الثقة بالآفاق الاقتصادية وجعلت الشركات تجمد استثماراتها. وساهمت أوجه قصور عميقة الجذور في سيادة القانون والفساد وحماية حقوق الملكية في هروب رؤوس الأموال إلى الخارج. ويقول البنك المركزي إنه من المتوقع لتدفق صافي رأس المال الخارج من روسيا أن يرتفع إلى أكثر من الضعف هذا العام وقد يصل إلى 134 مليار دولار. اليقين بحدوث ركود حاد وإمكانية حدوث المزيد من تقلبات العملة يشيران إلى أن هذا الاتجاه سيستمر بلا هوادة في عام 2015. ولا عجب إذن أن بوتين، في أوائل كانون الأول (ديسمبر)، عرض ما وصفه بـ "العفو الكامل" عن الروس الذين يعيدون رؤوس أموالهم إلى البلاد. وتبقى الأسباب المباشرة لاضطراب يوم الثلاثاء مثيرة للجدل. وقد ألقى بوتين باللوم على إلفيرا نابيولينا، محافظة البنك المركزي، لعدم التدخل بسرعة كافية لدعم الروبل. فالخطوة الوحيدة التي يمكن أن تكون حاسمة بما يكفي لوقف انخفاض الروبل كانت مبيعات واسعة النطاق من احتياطيات النقد الأجنبي في روسيا. لكن غرائز بوتين تتمرد ضد مثل هذه الأعمال، فأحد أعظم إنجازاته هو سداد الديون الخارجية الروسية، وتراكم مئات المليارات من الدولارات في الاحتياطي – وهو دليل ملموس، في رأيه، على استرداد روسيا سيادتها بعد العجز عن سداد ديونها عام 1998. كذلك تشير الأصابع إلى إيجور سيتشين، وهو حليف بوتين القوي والرئيس التنفيذي لروسنفت، شركة النفط المملوكة للدولة التي تعتبر الهدف الرئيس للعقوبات الغربية. فقد جمعت روسنفت 625 مليار روبل من مبيعات السندات، تماما قبل تاريخ استحقاق دين كبير بالدولار للمصارف الأجنبية. وسمح البنك المركزي للأوراق المالية بأن تكون بمثابة ضمانات في مزاد سيولة حجمه 700 مليار روبل للمصارف الروسية. من الناحية العملية، غطت روسنفت احتياجات إعادة التمويل عن طريق الاقتراض بشكل غير مباشر من البنك المركزي، الأمر الذي زاد الضغط على الروبل. ضرر العقوبات أيا كان الأكثر مسؤولية عن تعثر الروبل، قليلون هم من يحسدون نابيولينا على وضعها. وقال أليكسي كودرين، وزير المالية السابق، الذي يحظى بالاحترام، على "تويتر" إن صفقة روسنفت كانت ذات "توقيت سيئ للغاية". وقال فيكتور جيراشتشينكو، وهو رئيس سابق للبنك المركزي، ردا على سؤال حول ما سيفعله لو كان مكانها: "أطلب بندقية وأطلق النار على نفسي". ما سيكون أكثر فائدة للاقتصاد الروسي، حتى أكثر من ارتفاع أسعار النفط، هو وضع حد للعقوبات الغربية. وبحسب تيموثي آش، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في ستاندرد بانك: "العقوبات الغربية امتصت تدريجيا السيولة الدولارية والحياة من الاقتصاد الروسي - لقد كانت مثل الأصلة العاصرة". لكن حسبما أوضح زعماء الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي، العقوبات لن ترفع ما لم تضع روسيا حدا لما يراه الغرب زعزعة للاستقرار في أوكرانيا من خلال تقديم الدعم العسكري للانفصاليين في منطقة جنوب شرق دونباس. وظهرت بضعة تلميحات في الأسبوع الماضي تفيد بأن روسيا تعيد النظر في سلوكها. فقد صرح سيرجي لافروف، وزير الخارجية، بأن روسيا لن تصر على "حكومة فيدرالية" في أوكرانيا، وبالتالي تراجع عن واحد من مطالب موسكو المركزية من أجل حل الأزمة. من جانبه، أشار بوتين خلال مؤتمره الصحافي إلى المنطقة المتنازع عليها بـ "شرق أوكرانيا" بدلا من "نوفوروسيا" (روسيا الجديدة)، وهو تعبير جغرافي من العصور القيصرية استخدمه في وقت سابق من هذا العام بطريقة ضمنية توحي بأن روسيا قد تطالب بحصة في رقعة الأرض الممتدة من دونيتسك إلى أوديسا. وفي الوقت نفسه، هناك بعض الأدلة على أرض الواقع بأن المتمردين الموالين لروسيا والقوات الأوكرانية في حالة وقف إطلاق نار شتوي. ومع ذلك، يبقى من غير الواضح كيف يمكن لبوتين تقديم تنازلات بشأن أوكرانيا تكون كبيرة بما يكفي لإرضاء الحكومات الغربية دون الإضرار برئاسته. منذ قمع الاحتجاجات الكبيرة المؤيدة للديمقراطية في موسكو في كانون الأول (ديسمبر) 2011، خاصة منذ ثورة شباط (فبراير) الماضي في كييف، تبنى جهاز بوتين القومية المدوية المعادية للغرب التي لم تترك مجالا يذكر للمرونة. إزاحة ديمتري ميدفيديف من رئاسة الوزراء، وهو أمر شاع منذ فترة طويلة، قد تكون علامة إيجابية، لو حل محله كودرين، أو أي شخص له سمعة مماثلة لسمعة كودرين في الإدارة المالية الحكيمة وفهم مكانة روسيا في الاقتصاد العالمي. لكن الأمر لن يكون كذلك إذا كان رئيس الوزراء الجديد، لنقل، ديمتري روجوزين، وهو مسؤول متشدد يتولى رئاسة المجمع الصناعي العسكري. وقال دبلوماسي أوروبي في موسكو: "توليه رئاسة الحكومة ربما يعني لهجة أكثر عدائية، والمزيد من المال للدفاع، واقتصاد أكثر انغلاقا على نفسه، في حين أن وجود كودرين من شأنه أن يشير إلى الانفتاح والتوافق والإصلاح". وأضاف: "فقط من حقيقة أن البندول يبدو متأرجحا بين هذين الآن، يمكنك استنتاج أن بوتين سيختار أي شيء يوفر أفضل الفرص لتقوية قبضته على السلطة".