حاول الرئيس الأميركي باراك أوباما إقناعنا بأن بإمكانه حمل رمانتين في يد واحدة والإبقاء عليهما متوازنتين، دون أن تقع أي منهما، منذ تولى الرئاسة إلى اليوم. حاول في سياسته الخارجية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط، وتحديدا مع إيران، إقناعنا بأن بإمكانه احتواء الملف النووي الإيراني واحتواء الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط في آن واحد، ناسيا أو متناسيا أن إيران أحد أهم الأسباب في تنامي الإرهاب في المنطقة. والنتيجة كانت سقوط الاثنتين من يده. هذه هي أهم ملامح الحساب الختامي للسياسة الأميركية؛ فإيران أخذت منه ما تريد.. أخذت صمتا وسكوتا على امتداد نفوذها في الدول العربية مما ساهم في تنامي الإرهاب في المنطقة. وأبقت على مستوى التخصيب دون تخفيض، بل أعلن رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني علاء الدين بروجردي أن «المشروع الذي يلزم الحكومة بالتخصيب بنسبة 60 في المائة قد وقعه حتى الآن 230 نائبا» في تحد لكل المفاوضات. وقال بروجردي في تصريح نشرته وسائل إعلام رسمية إن «هذا المشروع يشكل تحذيرا للولايات المتحدة والغرب وإن المجلس قادر على إلزام الحكومة بالقيام بعمل ما وهذا الحق منحه القانون للمجلس». وأميركا ما زالت تمنح إيران مهلة جديدة وتمديدا جديدا وفرصة جديدة. كل مساحة يمتد فيها النفوذ الإيراني في الدول العربية هي ذات المساحة التي يمتد فيها تنظيم داعش. وكما قال محمد نوري زاده المعارض الإيراني للملالي: إن جشعكم هو الذي خلق «داعش». وللسياسة الأميركية دور كبير في تنمية هذا الجشع حين دعمت إدارة أوباما نظاما ديكتاتوريا في العراق وترددت باتخاذ موقف حاسم مع الآخر في سوريا. الولايات المتحدة اشترت ملف المفاوضات بالتغاضي عن الجرائم الإيرانية في المنطقة، بالسكوت عن إبادة السنة في العراق وسوريا من نظامي المالكي والأسد ولم تحرك ساكنا وأشاحت بوجهها وادعت عدم علمها وعدم ملاحظتها وعدم موافقتها عن كل التدخلات الإيرانية في كلتا الدولتين. وكانت ادعاءات كاذبة تفضحها الوقائع والحقائق. استراون ستيفنسن المندوب الاسكتلندي في الاتحاد الأوروبي الذي يرأس لجنة المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي والعراق على سبيل المثال، كشف عن حجم تلاعب الغرب، سواء كان الولايات المتحدة أو بريطانيا أو الاتحاد الأوروبي، بالحقائق وبالوقائع، إكراما لإيران، فقال في كلمته التي ألقاها في مقر الاتحاد في بروكسل في الرابع عشر من الشهر الحالي إن أعضاء من الاتحاد الأوروبي قالوا له: «يجب أن تلتزم الصمت تجاه التدخل الإيراني في العراق. فأميركا وبريطانيا في مرحلة مفاوضات معها حول الملف النووي وعليك أن تصمت عن حجم تدخلاتها في العراق حتى لا تفسد تلك المفاوضات»!! صمت الغرب قبل 5 سنوات كان البداية، حين رفضت إيران تولي إياد علاوي رئاسة الوزراء رغم أنه فاز في الانتخابات. فصمتوا استجابة للطلب الإيراني وداست الولايات المتحدة حينها على مبادئها ودعواتها بالديمقراطية وسكتت عن اختطاف السلطة في العراق وقدمتها لإيران على طبق من ذهب بحجة عدم تعطيل المفاوضات في الملف النووي. كانت محاولة الإبقاء على الرمانة الإيرانية، في اليد، باهظة الثمن وخطأ جسيما، حتى تحول العراق إلى ولاية إيرانية، مما مهد لقيام حرب أهلية تدعم إيران أحد أطرافها بالمال والسلاح، بل وبالتدخل العسكري المباشر. فحيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي الجديد يعترف أن هناك أكثر من مليون شيعي هم أعضاء في ميليشيات مسلحة ضمهم الجيش العراقي. ومنظمة مجاهدين خلق كشفت عن أسماء وأرقام حسابات 30 ألف فرد في الجيش العراقي تحول لهم رواتبهم من إيران بشكل مباشر. لقد بيع العراق لإيران مقابل مفاوضات لم ولن تنتهي، ففي كل مرة يمدد لها 6 أشهر ثم أخرى ثم أخرى. ليس هذا وحسب، بل تنازلت أميركا حتى عن اشتراط وقف تخصيب اليورانيوم بشكل تام وقبلت خفض التخصيب بنسبة 20 في المائة على أن يتدرج إلى 5 في المائة. وهذا التنازل يعد نصرا ومكسبا جديدا لإيران دون أن تقدم إيران مقابل ذلك أي تنازل من طرفها. وقد أكد على ذلك مايكل سينغ مدير معهد واشنطن في مقالته التي نشرها بتاريخ 14 مارس (آذار)، إذ كتب «إن السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم، وخاصة في سياق الاتفاق الذي لا يتطلب من طهران التخلي عن دعم الإرهاب أو سياسات أخرى مزعزعة للاستقرار، سوف يُعتبر بمثابة هزيمة لواشنطن. وفي الوقت الذي يتراجع فيه التأثير الأميركي في الشرق الأوسط بالفعل، فسوف يكون ذلك مؤشرا للحلفاء والخصوم على حد سواء على تراجع الإرادة الأميركية. وسيكون التأثير الواقع على نظام حظر الانتشار العالمي هو عينهُ: ستكون إيران قد نجحت في تحدي مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الأمن الدولي، بعد رفض شرعية كل منهما، وبعثها برسالة مفادها أن الالتزامات الدولية بمنع انتشار الأسلحة النووية غير ثابتة». انتهى.. لقد اشترت الولايات المتحدة سمكا إيرانيا في الماء، وفقدت سمكا خليجيا عربيا كان بحوزتها. قد يصف البعض سياسة أوباما بـ«التردد» أو قد يسميها البعض الآخر سياسة «الاحتواء المزدوج» تلك التي يحاول باراك أوباما تفعيلها في الشرق الأوسط، إنما النتيجة في الحالتين مخيبة للآمال وتراجع لمكانة الولايات المتحدة في المنطقة ولمصالحها الحيوية. جورج فريدمان مدير معهد ستراتفورد في كتابه «العقد القادم»، الذي نشره في بداية تولي باراك أوباما الرئاسة، قدم وصفته الرئاسية حول كيفية الحفاظ على «الإمبراطورية» التي ورثها هذا الرئيس. وينصح فريدمان الرئيس الأميركي أن يحافظ على المصالح الأميركية في العالم بأي ثمن حتى لو كان قاسيا. وألا يخجل من كونه يحكم إمبراطورية عالمية، فذلك أمر واقع شاء من شاء وأبى من أبى. فريدمان من الأشخاص المؤثرين جدا في صناعة القرار الأميركي ولا أدري حقيقة إن كان أوباما التزم بوصفة فريدمان بحذافيرها أم أنه حاد عنها. إلا أنه من المؤكد أن المصالح الأميركية تتعرض لخسائر فادحة، وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط، حيث بدأ حلفاؤها يولون وجههم شرقا أبعد ما يكون عنها. وانعدمت الثقة في أي تحالف تقوده الولايات المتحدة، وانعدمت الثقة في أي اتفاقية أمنية معقودة معها. وكل يوم تخسر فيه أميركا صفقة تكسبها دول شرقية وغربية أخرى. أما عن هيبة الإمبراطورية التي يطالب فريدمان أوباما بالحفاظ عليها، فأعتقد أنه لم يتبادر إلى ذهنه أو يتخيل أن 4 سنوات فقط من سياسة هذا الرئيس الخارجية كانت كافية لمد دولة صغيرة في أقصى الكرة الأرضية كالبحرين بالجرأة على طرد مساعد وزير خارجية الإمبراطورية الأميركية العظمى!!