أتفق مع أخي وزميلي في ميدان الرأي بهذه الصحيفة الأستاذ عبدالله الناصر في مقاله التوديعي لوزير التعليم العالي السابق الدكتور خالد العنقري. فالرجل بذل ما استطاع وستبقى تلك المحاسن مما انجز، ولننتظر محاسن خلفه الدكتور خالد السبتي. فوزيرنا الجديد عرف عنه انه يعمل بهدوء وبدون ضجيج اعلامي واتسم عمله بالتخطيط والمتابعة وإعطاء الفرصة لمن يعمل معه على تحقيق الأهداف المؤسسية. ومن اجمل ما يهتم به هو الحرص التام على عدم مرور أي عطاء او جهد او مناسبة وغيرها دون التوقف عند كلمته المشهورة " ما هي الدروس المستفادة؟"؛ ولذا وضعت العبارة في عنوان المقال ان ارادت الجامعات ان تسهل عليه مهمته وتنتقل بانجازاتها لمرحلة جديدة. فوزير يحرص على الدروس المستفادة ستكون له وقفات مع محطات مر بها تعليمنا العالي خلال العقدين الماضيين وتستوجب من الجميع معرفة الدروس قبل ان يسأل عنها الوزير. ولعلي هنا أتوقف عند ابرز تلك المحطات للدروس المستفادة والتي أتوقع ان على الجامعات تقديم رؤية واضحة لما تحقق او أخفقت فيه مؤسساتنا الجامعية. المحطة الأولى يجب ان تكون حول انشغال الجامعات بالتصنيف وعيون مسؤوليها على التقييم الخارجي وجمهورها الداخلي من الطلاب وأولياء امورهم بل والمجتمع لا يلمس اثرا للحصول على مراتب متقدمة في بعض التصنيفات. فما هي استراتيجيتنا لملاحقة التصنيف والاعتماد الخارجي؟ ومدى انعكاسه على بيئة داخلية صحية ومشجعة على العطاء العلمي. درس يتوقعه الوزير من كل جامعة تقدمت او تقهقرت او افتقرت لمقومات الالتحاق بركب التصنيف. والمحطة الثانية ستكون حول الدروس المستفادة من خارطة عقد المؤتمرات والندوات ومبررات الانتشار والغياب . فكم من المؤتمرات انتهت الى توصيات رفية اكثر من أي عمق علمي انعكس على واقعنا الاجتماعي. المحطة الثالثة ستكون حول التمويل للبحوث وتوزيع ميزانية البحث العلمي بشكل عادل بين العلوم الصحية والعلوم التطبيقية وما يشبه الفتات الذي يعطى للعلوم الإنسانية الى ان اكتشفنا الخطأ في التوزيع واننا لم ندرس مجتمعنا السعودي بما يكفي فظهرت جيوب الجريمة والإدمان وغيرهما ما ساهم في انكشاف الكثير من العورات المجتمعية. المحطة الرابعة تتعلق بما يجب ان تتميز به كل جامعة سعودية لكي تصبح هي الإضافة المعرفية في مجتمعنا بدلا من عمليات الاستنساخ والتكرار. بل ان هذا الاتجاه يأتي مع غياب التنسيق بين جامعاتنا بشكل فعال جعل السوق الوظيفي يتشبع بتخصصات لم يعد يطلبها السوق بشكل مستمر. والأهم هو معرفة خارطة برامجنا العلمية التي تستشرف توجهات سوق العمل. المحطة الخامسة لابد وان تكون حول الكراسي البحثية التي تحركت فيها الجامعات وغابت عنها الوزارة . فهناك جامعات استقطبت الكثير من الكراسي وغيرها يفتقد كرسي بحث واحدا. وهنا يأتي دور الوزارة التسويقي والاستراتيجي المساند للجامعات الناشئة في تميز الكراسي البحثية واستقطاب الجديد منها. المحطة السادسة أظن ان وزيرنا سينظر لها بكثير من التمعن وهي محطة الأوقاف التي يفترض ان تكون هي الرافد المالي للجامعات والتي ستخفف من الاعتماد على الموازنة العامة للدولة. فكم نتوقع ان تحقق الجامعات من اوقافها العلمية خلال العقدين المقبلين؟ المحطة السابعة لا بد ان يكون متعلقا بترشيح الوزارة لمديري الجامعات وفق برامج تتفق معهم على تنفيذها وتصبح ضمن ثقافة تلك المؤسسات وحتى تصل بشكل واضح لأعضاء هيئة التدريس ومنسوبي الجامعات ليكونوا عونا للمدير على تنفيذها، وتكون وسيلة لتقييم عمله بدلا من تركها لانطباعات وتغريدات فردية. المحطة الثامنة تقييم تجربة السنوات التحضيرية التي دخلت كعنق زجاجة امام الطلاب ولم تستطع الجامعات القيام بها بشكل ملائم، فاصبحت تجارب ودروسا مستفادة للشركات وليس للجامعات. المحطة التاسعة خلق رابط بين جامعاتنا التي تعمل وكأنها جزر معزولة. وبالتالي تصبح كيانا وطنيا يعرف كل عضو في هذه المنظومة إمكانية ترشيحه لشغل مناصب في الجامعات الأخرى بالاستقطاب او بعرض البرامج التنافسية. فالانتقال بين الجامعات وصل الى حد طلب أشبه بالتأشيرة قبل الانتقال بينها. المحطة العاشرة التفكير في تزويد الجامعات بما يحقق متطلبات المجتمع منها، ولعل ابسط المتطلبات المعامل والمختبرات البحثية وخاصة في الكليات الإنسانية التي لم تتجاوز مختبرات تعلم اللغة منذ اكثر من ثلاثة عقود. ففاقد الشيء لا يعطيه. هذه عينة من دروس كثيرة سيحرص عليها الدكتور خالد السبتي وأتمنى أن تتولاها الجامعات قبل ان تصبح حديث الاعلام. بل وأتمنى من جامعاتنا ان تستبق الطلب بعرض التميز في تجاربها لتنتقل لبقية جامعاتنا، فنجاح أي جامعة سعودية هو نجاح لمنظومة تعليمنا العالي. والعرب تقول بالعلم يستقيم المعوج.