حقائب وزارية جديدة سلّمتها القيادة الرشيدة لصفوة من أبناء الوطن الأكفاء, وقد تشرفوا بالثقة الملكية, وهم يحملون في إهابهم وأسماعهم توجيهات خادم الحرمين حفظه الله (أن يضعوا الله بين أعينهم). وحيث الخبرات المتنوعة، والتخصصات الحاضرة في محيط عالم اليوم، والهمم السامية في ماضيها وحاضرها، فإنّ الحدث كان مرتقباً، وجاء جذلاً مختالاً، لأنه في قمة التخطيط التنموي لهذه البلاد الطاهرة التي رسم لها قادتها صياغات مثلى من الكرامة والرفعة، فليس التشكيل الوزاري الجديد وليد مصطلح التغيير فحسب؛ إنما هي مسافات فاصلة في حياة المواطن كان لابدّ لها أن تتقارب وتتكامل، وحقول زروع نأى بها المكان والزمان عن أصحابها صار لزاماً أن تُسقى بماء واحد وتؤتي أكلها، وحبل أراد الله له أن يوصل. دلف أصحاب المعالي الوزراء إلى بوابات حياة المواطن؛ ولتحقيق طقوس العبور المثلى، فإنّ من الأولويات مراجعة الخطاب التنظيمي في جملته محتوى وأهدافاً؛ فهو من أهم شروط البدايات، حيث يصنع القوة عند المنفذين، ويحقق حماية المضمون التشريعي من الانزلاق بين أيدي المنفذين في ميدان المواطن، فهناك في كثير من الأدلة التنظيمية فجوات رغوية سحقت البناء، وأضعفت النتائج؛ وهذه الفجوات أصبحت في بعض القطاعات الخدمية سحراً ورُقية في آن واحد؛ يركبها المخططون المشرعون ويخترقون ظلالها، ويتوارى منهم المنفذون طاعة واحتساباً؛ عند ذاك يضيع المنتج بين كفيّ صانع ربما لم يتقن الصناعة، ومنفّذ لا يرى الخلل إلا من خلال عيون الصانع، فيضيع الدليل ويحفظ الخلل ضد مجهولين كُثر؛ والضحية المواطن... ضاع الدليل فلا تعجب إذا تاهوا وضيّع الركب أشباح وأشباه ولمّا أن الكيان في كل وزارة فعل واحد، وله فاعلان على خلاف ما أراده أهل النحو؟! أحدهما يبني الخطاب التنظيمي، ويصنع أدلة التنفيذ، ويخطط لمنصات انطلاق المنفذين، والفاعل الآخر هو المنفذ، وشتان بين الفاعلين، وإن اشتركا في بعض المحطات التي تسهّل عليهما تبادل الأدوار في مراحل العمل العليا عندما تجنى الثمار، ويُحكم على حلوها ومرّها؛ ولاختلاف المهمتين، فإنه لا بدّ أن يكون لكل منهما (شرعة ومنهاج) وعند ذاك تكون مزاحمة المشرع للمنفذ حالة طارئة تحتاج إلى مبضع جراح ليبتر أحدهما عن الآخر.. ومع إيماننا القوي الذي منحتنا جذوته عقيدتنا الغراء بأنّ (للبيت ربّاً يحميه)، فإنّ حماية البيت يا معالي الوزراء تتطلب صواباً وحكمة في صياغة القرار، وشجاعة في إصداره، ووعياً في اكتشاف مهارات المنفذين وتحديدهم... ومن المشاهد في الوقت الحاضر أنّ الأكثر تأثيراً في المصالح العامة هي السلطات التنظيمية الوسطى، فإنّ تلك السلطات حتماً يجب أن يشغلها الأخيار عقلاً {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} (43) سورة العنكبوت، والأخيار خلقاً {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} (159) سورة آل عمران. والأخيار قوة وأمانة {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} (26) سورة القصص، وكل ذلك من إسناد الأمر إلى أهله؛ وتلك المقاييس ينبغي أن تعبأ لها الاستمارات وتقام لها مختبرات الفحص، وترصد لها المواقف.. ثمّ إنه من المهم أن نؤمن أن ما يكتسب كقيمة حقيقية لدى الناس، هو ما ولّده نبضهم وبثهم عبر وسائل التعبير المختلفة، فإشارات كهذه هي علامات يهتدي بها أصحاب القرار إلى اللحظات الحاضرة للمواطن، وتيار الرغبات والأمنيات المسقطة في واقعهم، وتعكس ما يرومون من آمال عراض لمستقبلهم؛ يؤلمهم «إكمال اللازم نظاماً» فربما كان ذلك النظام لم يدخل دوائرهم حين بنائه، وتزلزل نفوسهم «يحال إلى جهة الاختصاص «، وقد تكون الجهة فيها الخصام ومنها الخصم والحكم، وتدق كرامتهم «نظراً لما تقتضيه المصلحة «، وقد تكون المصلحة انتهت صلاحيتها،؟!! وتخيّب آمالهم «للإفادة بما لديكم «، وقد يكون ليس في الإفادة ما يسمن أو يغني من جوع؛ لقد أكثرتُ؛ ولكن نبض المواطن هو استراتيجيات النهوض الحقيقية في كل الوزارات وله ومنه تنطلق صفارات الإنذار، وتحزم الأمتعة، وتحشد الحشود. نتأمل بإذن الله موارد غزاراً، ونجوماً صاعدة في سماء وطننا الغالي، وهمة تهزم هموم، وآليات عمل راقية ومحفزة، وتمتين وشائج الوطن مع مواطنيه، وهي الوشائج التي نسجها ووضع قواعدها باني الوطن والمواطن الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله.. وختام البوح... أكثرتُ من ليتني لو كان ينفعني ومن منى النفس لو تُعطى أمانيها وبإذن الله تتحقق منى الوطن والمواطن مع أصحاب المعالي الوزراء وتفتح بوابات أخرى لحياة المواطنين؛ ويرتل المقرئون {وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (136) سورة آل عمران.