الجدل الذي أثاره ظهور الشيخ أحمد قاسم الغامدي مع زوجته في برنامج "بدرية" الذي تقدمه الدكتوره بدرية البشر على mbc ترجمة عملية للجدل الفقهي المستمر منذ قرون حول الحجاب والنقاب والخمار وجواز كشف المرأة لوجهها وكفيها. وهي حالة عقلية على رغم ما أسفرت عنه من ثراء ذهني للعقل الديني والاجتماعي، وتمايز الآراء بصورة وضعت هذه القضية وكثيرا غيرها من القضايا في بندي الحل والتحريم، وأحيانا الكراهة، مع إغفال تام ومتعمد من الرافضين المحرمين لمسألة الحريات الشخصية التي لا تنازع السلوك الديني أو العرف الاجتماعي. جرأة الشيخ الغامدي أتت من تطبيقه العملي لقناعة منحازة لخيار فقهي له أسانيده ومرجعياته، وبالتالي فهو ليس موضوعا لذلك الهجوم الشرس الذي تعرض له في المواقع الاجتماعية، وبغض النظر عن مبدأ الحريات الفردية، فإنه مطلوب أن يطبق الفرد قناعاته الدينية أو الاجتماعية طالما لم تخالف ثابتا أو تأت بشاذ عقلي، والمسألة ببساطة لا تخرج عن عدم الاعتياد الاجتماعي على ظهور زوجة شيخ أو داعية كاشفة وجهها بمقتضى رؤية فقهية على النحو الذي ظهرت به زوجة الشيخ الغامدي، وكأن الأمر يتخذ موقع المنكر أو الكبيرة الدينية، وذلك يتنافى مع المنطلق الفقهي الذي استند عليه الشيخ وتجاهله المستنكرون. طالما أن القواعد الفقهية من المرونة بحيث تسمح بذلك فلا حجة على الإنكار أو الرفض، فمسألة الحجاب من القضايا الجدلية التي لم ينته رأي فقهي قاطع بتبيان حرمتها أو حلها، وطالما أن هناك مرجعيات فقهية في الحالين، يمكن الاختيار ببساطة بما يتناسب مع الخيارات والقناعات دون ضرر أو ضرار، فالدين سهل ويسير ولا يحتاج إلى ذلك العنفوان السطحي الذي تجرأ العامة على الدخول فيه بابتسار النصوص أو الاستناد إلى ما يوافق الهوى لإبراز الحجة وإقصاء الرأي الآخر، فذلك يتنافى مع مرونة وسهولة الدين ببساطة. الشيخ الغامدي في كثير من اتجاهاته حول مسألة جواز كشف الوجه والحجاب كان يقدم طرحا يبيح ذلك مستندا إلى آراء فقهية متعددة، وهو بحال تمكنه من إبداء الرأي الديني وليس بالضرورة أن يفتي، فهو يرى أن الحجاب الخاص بأمهات المؤمنين هو الساتر الذي يمنع رؤية شخوصهن عن الأجانب عنهن فرض عليهن خاصة دون بقية النساء، كونه أطهر لقلوبهن وقلوب المؤمنين، وأن تسمية الجلباب والخمار المفروضين على كل النساء عند الخروج حجابا فيه خلط مردود لغة وشرعا، فالجلباب هو الذي يستر محاسن جسد المرأة فرض على كل المسلمات عند الخروج على خلاف بين العلماء في جواز ظهور الوجه والكفين، والخمار هو الذي يستر شعر المرأة وعنقها وفتحة صدرها وهو فرض على كل المسلمات عند الخروج. استعراض كل المحاورات الفقهية والاستخلاصات في هذا الجانب باب واسع لا ينتهي بالجدل إلى نتيجة قاطعة لأن ذلك لم يحدث طوال قرون، وإنما ترك الأمر للعقول والقلوب تتدبر وتفكر وتقيس، واستدعاء جميع الآراء الفقهية في ذلك مجال بحثي عميق لا يجرؤ على دخوله إلا أحد اثنين: فقيه مشهود له بالعلم والكفاءة، أو دعي رويبضة يجري بأنصاف الحديث على مسار العلماء ويدّعي أمرا ليس له فيه فكر وعقل وفقه، وإذا أبى أحد ما أقدم عليه الشيخ الغامدي فإنه في الواقع يرد، على سبيل المثال، على ما قال به القاضي عياض: "قال العلماء: لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها، إنما ذلك سنة مستحبة لها، ويجب على الرجل غض البصر في جميع الأحوال"، أو يقتنص حديثا كحديث (المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان...) وهو حديث ضعيف ولا يدرك ضعفه وأسباب ضعفه، لننتهي إلى ما انتهى إليه بعض الفقهاء أن القائلين بوجوب ستر المرأة لوجهها وكفيها ليس عندهم نص في ذلك من كتاب أو سنة أو إجماع، بل وليس معهم أثر واحد صحيح صريح عن السلف يجب اتباعه، ولذلك نقول دعو الشيخ الغامدي فإنه حر وفي فسحة من دينه، وغيره في ضيق وشدّة يلفظها دينه.