محمد أحمد الحساني كانت مكة المكرمة ذات يوم أنظف مدينة في المملكة، وقد شاهدت الأمير سلمان عندما كان أميرا للرياض يهمس في أذن الأستاذ عبدالله عريف رحمه الله وكان ذلك في عام 1396هـ فيرد عليه العريف بشكر سموه واعتزازه بما قاله فلما وجدت العريف في موقع آخر من المكان بعد ابتعاد الأمير عنه سألته عما همس به سموه في أذنه فقال بفخر: إن سموه الكريم أبلغني أنه معجب بنظافة مكة المكرمة، فقلت لأمين العاصمة المقدسة هذا خبر لطيف للصفحة الأخيرة من الندوة فرد علي قائلا: وهو كذلك، وقد نشر الخبر في اليوم التالي مزيناً بصورة الأمير سلمان وصورة العريف. وفي تلك الأيام كانت الأمانة هي التي تقوم بأعمال النظافة فلا شركات ولا مؤسسات بل عمال تابعون لها وعلى العمال مراقبون وعلى المراقبين مشرفون، والعريف يدور بسيارة الجيب مرتين في اليوم على ما يكون في طريقه من أحياء وشوارع وفي يده مسجل يسجل فيه بصوته ما يراه من مخالفات أو بقايا نفايات، ليسلم المسجل لمدير مكتبه ليفرغ ما فيه ويوزع الملاحظات على الأقسام الإدارية والميدانية يومياً، وكانت الأمانة تستعين في تنظيف الجبال والمنحدرات الوعرة والشعاب الضيقة التي لا تصل إليها السيارات والمعدات بـ«الحمير» وتستأجر من حمارة مكة المكرمة مئات من الحمير بأجر يومي قدره ريال للحمار الواحد فلا تكون الأمانة مسؤولة عن تعليف الحمير أو توفير إسطبلات لها بل يكون ذلك على صاحبها المؤجر الذي يستعيدها مساء كل يوم ويسلمها في الفجر لعمال البلدية المكلفين بنظافة الجبال والشعاب. وكان جاري صالح نافع المورعي رحمه الله أحد مشرفي النظافة وتحت يده عدد من المراقبين وعشرات من العمال فكنت أراه يصحو قبل صلاة الفجر ويصلي معنا في مسجد ريع الرسام ثم يسرح قبل طلوع الشمس للإشراف على أتباعه من المراقبين والعمال، وكان إذا رأى إمام المسجد قد أخر إقامة الصلاة تبرم من التأخير وسبح بصوت عال، لأن اهتمامه بعمله يجعله حريصاً على عدم التأخير فيه ولو لدقائق. وكنا حتى عهد قريب لا يزيد على عقدين نرى عمال مؤسسات النظافة يجوبون الشوارع والأزقة لرفع القمائم فلا يدعون فيها حتى أوراق الشجر أو الأوراق الخفيفة إضافة إلى السيارات التي تقوم بزيارة مواقع البراميل المتفجرة! بالقمائم لتفريغها مرتين في اليوم على أقل تقدير، ولكن المؤسف جداً أن سكان أم القرى لم يعودوا يلمسون جدية في متابعة أعمال النظافة من قبل الإدارة المختصة بالأمانة ولا من قبل المسؤولين في المؤسسات المتعاقدة بالنظافة على الرغم من فوزها بعقود بمئات الملايين سنوياً، ولم يعد العمال يغطون الشوارع والأحياء، بل إن مئات منهم أصبحوا يغطون إشارات المرور لممارسة التسول بحجة أنهم يمارسون عملهم، أما داخل الأحياء والأزقة والمخططات فنادراً ما يكون لهم وجود وأصبحت مؤسسات النظافة تكتفي بإرسال عمالها من السيارات لنقل المخلفات والقمائم من البراميل إلى أماكن التجميع هذا إن هي قامت بهذا الواجب، وقد ذكرني بما سبق تسطيره لكم رسالة جميلة وصلتني من الصديق فيصل مراد وهو موظف قدير عاصر قبل تقاعده من أمانة العاصمة فترة شركات النظافة وفترة الاستعانة بالحمير.