--> سيدي العامل المسكين! رأيتك - وأنا في سيارتي المكيّفة متوجهاً إلى مقر عملي المكيّف - تعمل في هذه الأيام الحارة في درجات حرارة عالية لا يستطيع أن يقف تحتها من استخدموك ثانية واحدة، مع أنهم لو نظروا بعين الرحمة والإنصاف لعلموا أنه لو تم تحويل ساعات عملك إلى الليل لكان عدد الساعات نفسه وحجم الإنجاز أكبر وأفضل وأعظم بركة. خوفاً - يا سيدي الكريم - مما ستكون عليه، وتقديراً لحجم الضغوط التي تتعرض لها والتي تدفع بك نحو طريق الإجرام والحقد على هذا البلد وأهله، دعني أسابق الزمن وأوجه لك هذا الخطاب راجياً أن تنظر فيه بعين العدل والإنصاف. سيدي الكريم! أنت رجل شجاع ومجاهد تستحق التقدير والاحترام، فقد استطعت أن تفعل ما لم يفعله غيرك، تغلبت على حبك لأطفالك ووالديك وبلادك وقدمت إلينا قاطعاً آلاف الكيلومترات باحثاً عن اللقمة الحلال التي تسعى أن تغني من خلالها نفسك وتسد جوعة الأفواه المفتوحة التي تركتها خلفك. ولذلك أتمنى أن تتعامل مع صدمتك في بعضنا بشجاعة وعدل، فأنت لم تخطىء يا سيدي! نحن أهل مكة والمدينة الذين أتيتهم وأنت تحمل أجمل الصور الذهنية عن أخلاقهم وقيمهم! ونحن - أيضاً - أحفاد أولئك الرجال الذين ملأوا الدنيا عدالة ورحمة وإنسانية وأخوة والذين قرأت عنهم في الكتب وتسمع عنهم في خطب الجمعة! ومنا أولئك الأبطال الذين حدّثك أجدادك عنهم وأنهم أتوا بلادك فحرروها بسمو أخلاقهم ورقي تعاملهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن الجور والظلم إلى عدالة الإسلام! نعم نحن من أحسنت الظن بهم ومنا أولئك الذين أحببتهم! أسماؤنا أسماؤهم وصورنا صورهم، ويسعى رجال ونساء منا لأن يكونوا مثلهم فيتواصون بالرحمة بكم ومراعاة ظروفكم، ويتسابقون للصدقة عليكم والوقوف معكم على حسب قدراتهم التي لا تتجاوز قدراتكم في أحيان كثيرة إلا بالقليل. ولكن أنت تعلم - يا سيدي - أنه في كل مجتمع جانب مظلم، وأولئك الجشعون الذين يتفنّنون في اتخاذكم سخريّا ويهدرون حقوقكم ويأكلون مستحقاتكم، ما هم إلا جانبنا الأشد ظلاماً وإن ملكوا ما ملكوا. فيا سيدي الكريم وأخي الفاضل! أرجو ألا تحاسبونا على ظلاميينا فنحن نصلى نارهم مثل ما تصلون، وآمل قبول اعتذارنا واعتذار هذا الوطن لكم، متمنياً ألا تقابلوا إساءة البعض بإساءة مدمرة للجميع! shlash2020@twitter مقالات سابقة: شلاش الضبعان : -->