أخيرا اختارت أمانة جدة أن تفتح عينيها وتفعل صلاحياتها لحماية المجتمع من الفوضى والاستهتار والتحدي العلني للأنظمة التي تمارسها واجهات مزخرفة وأسماء براقة لمطاعم شهيرة يختبئ الموت في غرفها الداخلية. انتفضت الأمانة وواجهت عددا كبيرا من الأسماء الخادعة لتلك المطاعم التي يمتلك بعضها هوامير نافذون بمالهم وعلاقاتهم وسلطتهم الاجتماعية، يعتقدون أنهم فوق النظام ولا يجرؤ أحد على مساءلتهم أو الاعتراض على عنجهيتهم، ناهيك عن ردعهم وعقابهم. الناس المخدوعون الذين يتقاطرون على تلك المطاعم لم يخطر ببالهم أن الديكورات الأنيقة تختبئ خلفها هذه الكوارث: مواد فاسدة ومجهولة المصدر، تدني مستوى النظافة، مخالفات في التعبئة والتخزين، سوء تداول وحفظ ونقل المواد الغذائية، سوء في التجهيزات، عدم ارتداء الزي الصحي، عدم وجود بطاقات صحية للعمال، وجود حشرات في أماكن تحضير الطعام. وبالتأكيد هناك الكثير من المخالفات التي قد تؤدي إلى الموت السريع بفعل ميكروبات التسمم الخبيثة. والمفارقة العجيبة أن أصحاب تلك المطاعم بدلا من الاعتراف بالخطأ وتصحيحه والاعتذار للناس بادروا للاحتجاج على قرارات الأمانة بإغلاقها وأصروا على تصعيد احتجاجهم، بل واتهام مسؤولي الأمانة بالكيدية وطلبهم إتاوات، وهذه التهمة إن كان قد اقترفها شخص ضميره ملوث كما هو حال تلك المطاعم فإنها لا يمكن أن تنسحب على بقية المسؤولين، ولا يمكن أن تشمل هذا العدد من المطاعم التي واجهتها الأمانة. لقد أصبحت المطاعم بكل مستوياتها وأصنافها تنتشر لدينا بشكل كبير كما لا يحدث في أي بلد آخر، ليس في المدن الكبيرة فحسب وإنما في كل المدن والقرى دون ضوابط حازمة أو مراقبة لصيقة. في كل شارع نجد مطعما بين كل مطعم ومطعم، وسوء أحوالها واضح للعيان لا يحتاج لجان مراقبة أو مفتشين، ومع ذلك فهي مستمرة في تسميم الناس بأسعار مرتفعة. شيء محزن أن يدفع الإنسان ثمنا كبيرا للسم الذي يتناوله. في إحدى المرات اعترضت على عامل في مطعم يحضر الطعام دون لبس القفازات البلاستيكية وبلغت الإدارة وهددت بالإبلاغ عن هذه المخالفة فكان ردهم كمن يمد لسانه ويقول: ورينا يا شاطر. نتمنى ألا تكون هذه الانتفاضة مؤقتة لذر الرماد في العيون، وألا تقتصر على مدينة واحدة، فقد تجاوز الاستهتار بصحة الناس كل الحدود.