×
محافظة المنطقة الشرقية

النكتة والتورية الثقافية

صورة الخبر

«صُورة فلسطين»، هذا هو العنوان الذي اختاره مهرجان روتردام السينمائي الدولي لبرنامجه الاستعادي للسينما الفلسطينية، أحد برامج دورته السادسة والأربعين التي انطلقت يوم الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني (يناير)، وتختتم في الخامس من شباط (فبراير) القادم. انتقى البرنامج 11 فيلماً تسجيلياً وقصيراً، تُعرض بالتوازي في مركزه في بناية «دي دولن» في قلب المدينة التي تقع على أطراف الميناء الهولندي المعروف، مع تنظيم محاضرات ولقاءات عامة مع مخرجين فلسطينيين، تذكر بصور البلد المحتل السينمائية والتي ولدت في حروب وانتفاضات ومنافٍ طويلة، ولا تزال عجلتها دائرة بهمة وعناد مخرجات ومخرجين فلسطينيين من أجيال مختلفة. يصف المهرجان الأفلام التي انتقاها لبرنامج «صورة فلسطين»، بأنها «رحلة عبر السينما الفلسطينية تلخص المآسي والأحلام والعبثية والأمل في المنطقة»، فيما يتألف البرنامج من «مواد تاريخية حديثة وقديمة تشكل نقطة تقاطع علوم الجمال والإعلام والسياسة والفن المعاصر داخل وخارج الأراضي المحتلة». وفي موازاة أفلام البرنامج ينظم المهرجان، أولاً، عرضاً أوروبياً لمحاضرة بصرية تعود الى بدايات السينما الفلسطينية في ستينات القرن الماضي، وكيف ولدت وقتها كفعل ثقافي فني مقاوم، وأحد تمظهرات نضوج التنظيمات الفلسطينية المعارضة المنظمة.   الهوية الفنية أولاً من جديد هذا العام لم يتخل مهرجان روتردام السينمائي عن هويته الفنيّة المغايرة العنيدة، حتى في اختياراته لأفلام برنامج «صورة فلسطين»، فنراه ابتعد عن كلاسيكيات السينما الفلسطينية المعروفة، وبحث في الهوامش عن أعمال أقل شهرة لكن لا ينقصها الجرأة والتجديد والأصالة والتجريب السينمائي، فعاد مثلاً الى بدايات مخرجين ومخرجات أصبحوا اليوم أبرز أسماء السينما الفلسطينية مثل: المخرجة آن ماري جاسر التي يعرض لها فيلمها الروائي القصير «كأننا عشرون مستحيل» (2003)، عن التصادم بين أعضاء فريق سينمائي فلسطيني يُجبر على الانتظار لفترات طويلة أمام حاجز إسرائيلي. وللمخرج الشاب مهدي فليفل يعرض الفيلم القصير «عشرون مصافحة يد من أجل السلام» (2013)، والذي يستعيد صورياً مفاوضات أوسلو الشهيرة مع تعليق صوتي للمفكر الفلسطيني إدوارد سعيد. ويعرض للمخرج هاني أبو أسعد فيلمه الروائي القصير «صبي وحمار وجدار» (2008)، عن ثلاثة صبيان فلسطينيين فقراء مهوسين بالسينما، يجدون في كاميرا الأمن الإسرائيلي المُعلقة على الجدار الفاصل الفرصة الوحيدة لتسجيل حلمهم بالوقوف أمام الكاميرا. ويواصل الفيلم عبثه عندما يحاول الصبيان الحصول على المواد المصورة لهم من القوات الأمنية الإسرائيلية. وللمخرج الفلسطيني المعروف إيليا سليمان حصة من البرنامج الفلسطيني اذ يعرض فيلمه التجريبي «مقدمة لنهاية جدال» (1990) والذي أخرجه مع اللبناني الأصل جيسي سلوم، وفيه يستعرضان من وجه نظر ناقدة مقاطع من أفلام أميركية واوروبية وإسرائيلية تصور الحياة في الضفة الغربية قطاع غزة في فلسطين. ومن الأفلام الحديثة التي يعرضها البرنامج، الفيلم التجريبي القصير «ومع ذلك قناعي قوي» (2016) للمخرجين باسل عباس وروان أبو رحمة، عن رحلة شاعرية تحفل بالتناقض الصوري بين صبيان وبنات فلسطــينيين يرتــدون أقنعة الإنسان الحجري وهم يزورون قرى فلسطينية مدمرة في إسرائيل. كما يعرض الفيلم الروائي القصير «بائع الورد» (2011) للمخرج إيهاب جاد الله، عن تعاســة بائع ورد فلسطيني يحاول أن يبيع الورود في مخيمات وأحياء فقيرة لا تجد ما تحتفل به. وللمخرجين الدنماركيين لاريسا سنسور وسورين ليند يعرض البرنامج الهولندي الفيلم الخيالي «في المستقبل أكلوا من أجود أنواع الخزف» 2015، والذي يفترض أن الأجيال اللاحقة ستكتشف الفلسطينيين مجدداً عبر الخزف المتطور الذي كانوا يأكلون فيه. وعن حرب غزة الأخيرة تستلهم المخرجة الفلســطينية دينا ناصر قصة فيلمها «دقيقة واحدة»(2015)، عن أُمّ وابنتها تحاولان أن تجدا مكــاناً آمـناً من القصف في شقتهما الصغيرة. ويقدم فيلم «ذي بسوميتبتميس»(2015) للمخرجة الفلسطينية ميرنا بامية أفلمة فانتازية لرواية الكاتب الفلسطيني اميل حبيبي «الوقائع الغريبة في حياة سعيد أبي النحس المتشائل».   ترميم الذاكرة ويتضمن برنامج «صورة فلسطين» فيلمين تسجيليين عن الذاكرة الفلسطينية الجماعية والتنقيب فيها وترميمها سينمائياً على الأقل بعد الخراب الذي لحق بها، فيعرض فيلم المخرج الفلسطيني كمال الجعفري «ميناء الذاكرة» (2009)، والذي يؤسس لخط خاص لهذا المخرج سيتواصل في فيلمه اللاحق «استذكار» (2015)، ويركز على الهدم الممنهج والذي لم يتوقف للعمارة وأنماط الحياة الفلسطينية في المدن التي تقع جغرافياً ضمن الحدود الإسرائيلية. ولمواطنته الشابة جمانة مناع يُعرض فيلم «في أثر مادة سحرية»(2015)، والذي يلحم مكونات المجتمع الفلسطيني المتعدد الأعراق عبر الموسيقى الشعبية القديمة التقاليد التي يصدح بها عبر العصور. لم يحظ فيلم المخرجة جمانة مناع بالاهتمام الإعلامي العربي الذي يستحقه عندما عرض العام الماضي في مهرجان برلين السينمائي، رغم ابتكاره والمشهد البانورامي الواسع الذي يقدمه لفلسطينيين لا نعرف الكثير عنهم وللموسيقى الأصيلة المجهولة التي يسلط عليها الضوء. تسير المخرجة على خطى مذيع ألماني يهودي عمل في الإذاعة البريطانية في فلسطين في ثلاثينات القرن الماضي، وتخصص في البحث في أنواع الموسيقى الفلسطينية. تسعى «مناع» الى تحديث اكتشافات المذيع ذاك، عبر البحث عن جذور تلك الموسيقى وعن موسيقيين فلسطينيين جدد ورثوا أصول الفنون تلك شفاهياً أحياناً من آبائهم. يعود الفيلم دورياً الى بيت المخرجة نفسها، والذي يعيش فيه والداها المثقفان الطيبان، حيث لا يزال الوالد الباحث في الشأن الفلسطيني يوثق بعربية فصيحة ما يسميه «أزمان النكبات» والتي بدأت في 1948 ولا تزال مُتواصلة حتى اليوم.