امتداداً لحديث الأسبوع الماضي حول كتابة النص الشعبي فإن هناك اتفاقاً بين الباحثين على أن كتابة النص العامي بصفة عامة غير كافية لتوصيل اللغة إلى من لا يعرفها أصلاً، لكنها تظل وسيلة مساعدة ومهمة جداً، فالدقة في كتابة النص ستساعد من دون شك على نطقه النطق الصحيح. وقد ظهرت في أوساط الباحثين في الآداب الشعبية اقتراحات بكتابة نصوص الأدب الشعبي كتابة صوتية وهناك من اقترح كتابتها كتابة اشتقاقية في حين يرى الباحثون المتمكنون مثل أستاذنا الجهبذ الدكتور سعد الصويان في كتابه المرجعي (ذائقة الشعب وسلطة النص) أن الأبجدية العربية قادرة على سد حاجتنا لكتابة أدبنا الشعبي ولا حاجة لنا إلى ابتكار أبجدية جديدة أو طريقة مختلفة للكتابة ولكنه يرى وجوب مراعاة عاملين مهمين عند التعامل مع نصوص الأدب الشعبي بشكل عام لإيجاد حل وسط لكتابته بطريقة صحيحة هما: الملاءمة قدر المستطاع بين النطق وطريقة التدوين حتى يستطيع من لا يتكلم اللهجة المكتوبة قراءتها ونطقها نطقاً صحيحاً ولو بصورة تقريبية. في حالة تعديل الخط لملائمة النطق يجب ألا نجحف ونشتط في هذه التعديلات بل يلزمنا قدر الإمكان مراعاة صور الخط العربي الصحيح والحفاظ على الشكل الفصيح للكلمات العامية حتى يسهل على القارئ رد هذه الكلمات إلى أصلها الفصيح واستنباط معانيها. فهو يرى المحافظة ما أمكن على صورة اللفظ في اللغة الفصحى ليتضح معها اشتقاقه ثم يحافظ في الوقت نفسه على تصوير نطقه في الكتابة تصويراً صحيحاً ينظر إلى الأصل في غالب الأحيان بحيث تراعى في ذلك بعض القواعد وأبرزها: * التدقيق في النصوص وتصحيح الأخطاء الإملائية والطباعية وضبطها وتشكيلها بدقة متناهية من أجل إبراز السمات الصوتية ذات الدلالة المعنوية والإيقاعية خاصة (السكون) و(الشدة) و(التنوين) التي قد يؤدي إهمالها أو الخطأ فيها إلى خلل في المعنى أو الوزن الشعري. * توظيف علامات الترقيم من تنقيط وتقويس وفواصل وعلامات استفهام وتعجب بما يخدم النطق والمعنى مع التزام الحذر في استخدامها، وأرى أنه من المستحسن التزام رسم الأقواس حول أسماء الأشخاص وأسماء لمواضع وكذلك الألقاب والكنى بشكل عام لتمييزها عن الألفاظ الأخرى. * ملاحظة وجود الكلمات المتراصة وفصلها بعضها عن بعض، وملاحظة وجود حرف أو مقطع من كلمة ما ملاصقا للكلمة المجاورة بينما تفصله مسافة عن الكلمة التي هو منها، وملاحظة انفصال أجزاء الكلمة الواحدة بعضها عن بعض، لأن كل ذلك من معوقات فهم النص وتفسيره حيث يوهم القارئ بأنه يقرأ كلاما بلا معنى. * تجنب الأخطاء الإملائية التي يقع فيها بعضهم إما عن جهل وإما بقصد تقريب النطق العامي للقارئ مثل وصل حروف الجر والأدوات بالكلمات التي تليها. * يجب استخدام الحركات في التنوين وعدم استخدام النون بدلاً من علامات التنوين المعروفة. * يجب التمييز بين التاء المربوطة والتاء المفتوحة وبين الضاد والظاء وبين التاء المربوطة والهاء والألف المقصورة والياء وكذلك الألف المقصورة والألف الممدودة لأهمية ذلك في توضيح الأصل الاشتقاقي للكلمة ومكونات جذرها الثلاثي. * تحاشي كتابة الكسرة المشبعة في أواخر الأبيات ياء حتى لا يلتبس المعنى وللأسف أن كتابة الكسرة ياء منتشرة في كتابة النصوص الشعبية في الدواوين المطبوعة والمخطوطة بشكل عجيب!! * لأن الهمزة تكاد تختفي من لهجات الجزيرة العربية فإن عدم استخدامها في كتابة النصوص مستحسن إلا عندما تكون موجودة فعلاً فيجب كتابتها، وأرى أن هناك عدة مواضع يستحسن كتابتها فيها مثل أداة الاستثناء (إلا) أو أداة الشرط (إن) أو لفظة (أم) أو (أبو) لفائدتها في التوضيح. * من السمات التي تتميز بها اللهجات العامية عن الفصحى الابتداء بساكن ويلاحظ في ثنايا المؤلفات المطبوعة والمخطوطة أنه عن الابتداء بساكن تكتب ألفاً وهذا خطأ والأولى أن توضع علامة سكون على الحرف الأول من الكلمة بدلاً من كتابة الألف لأن الألف ليست في أصل الكلمة كما أنها تؤدي إلى الغموض واضطراب المعنى. وعلى الرغم من صعوبة الوصول إلى طريقة موحدة لكتابة الشعر النبطي إلا أن اللوم كبير على الجهات العلمية والأكاديمية والثقافية التي لم تهتم بتوحيد طريقة كتابة النص الشعبي في إصداراتها!!