×
محافظة المنطقة الشرقية

تكريم هتون الفاسي وسوزان باعقيل بجوائز عالمية ومحلية..

صورة الخبر

لا يمكن وصف الطفل العربي راهناً، إلا بكونه ضحية تلفزيونية، في أبشع صورها. يكفي أن تقف أمام نموذج إعلاني موجّه، لا تكفّ قناة «أورينت» عن بثّه يومياً، بين فقراتها وبرامجها، حتى تدرك كم هو هذا الطفل ضحية تلفزيونية، تقع في قبضة الاستغلال السياسي، ذي التوجيه المجافي لأدنى المعطيات الإنسانية، التي ينبغي للقنوات الفضائية التلفزيونية العربية التزامها، والوقوف عند حدّ تقييمها، وتحرّي سلامتها النفسية ومصداقيتها. فقد بات من نافل القول إن الطفل يحاكي، في كثير من الأحيان، ما يُراد منه، ويتمثّله، إلى حدّ أن يصدّقه ويجعله روايته. تتحدّث الفتاة الأكبر، عبر ملامح تتسم بقدر من الرحابة والثراء البادية، ومع ابتسامة مائلة، عن التخويف من «الحكومة» السورية، بعدما أفصحت عن «خيالاتها» و«وشوشاتها» الثورية، وحلمها بقيادة البلد، وهي في السابعة من عمرها! بينما تذهب الفتاة الصغرى في خيالاتها المأسوية إلى الحديث عن تقطيع الأصابع، وتثقيب الجسد، ولفّ الحبل على الأخناق، والقتل، بعد التعذيب 3 أيام على أيدي «الشبيحة». ليس الموضوع هنا التساؤل في مدى حقيقة أن هذا يحدث في سورية، أم لا. ولا البحث في كيفية وصوله إلى الأطفال في صورته التفصيلية هذه. الموضوع هو أن يصل طفل سوري إلى هذا الحدّ من الخيال الدموي، وقوله، سواء من جهة الطفلة الصغرى، التي ترفق شهادتها بالقول أخيراً إنها كانت «متميزة» في المدرسة، أم لعناية الكبرى بالتوافق وقول ما يتناسب مع العقلية الأميركية، التي تدرك أنها تخاطبها، لتستحضر «الأشباح والشخصيات الخرافية» في مقابل «الحكومة»، وكذلك قيام قناة تلفزيونية (يُفترض أنها تنتمي إلى إعلام بديل) بتبنّي هذه الأقوال، وتحويلها إلى إعلان ترويجيّ يومي، اعتقاداً منها أن هذا يساهم في إنقاذ ما تبقى من أطفال سورية مما يحدث لهم، أو لأهاليهم. عندما تضع هذا الإعلان في مقابل برنامج مثل «يلا نحنا»، الذي تبثه القناة ذاتها أيام العطلة الأسبوعية (الجمعة والسبت)، والذي من المُفترض أنه موجّه لأطفال سورية جميعهم، ستتعجب من حالة الفصام التامة، بين حديث أطفال عن الموت والقتل والتعذيب والتقطيع بالسواطير، واهتمامات أطفال آخرين بأشغال «الصلصال»، وفطائر «تفاح الشوكولا»، ولعبة «الفيشة»، والـ«ريسايكل»، وخفّة الدم التي لا تُطاق من قبل «ميشيل»، و«فرح»، و«دالين»، خصوصاً مع التركيز على استخدام اللهجة العامية السورية، والحركات المُتظارفة، في شكل يتناقض مع أدنى مبادئ التربية. لقد مضى ذاك الوقت، عندما قدّمت «مؤسسة الإنتاج البرامجي المُشترك»، جزءاً أول من مسلسل «افتح يا سمسم» الشهير، منحت من خلاله وفرة لعالم الطفولة البهيّ، عبر شخصيات تمثيلية، وأخرى تحريكية، وثالثة عبر الدمى، في مسعى ترفيهي وتربوي، يبقى في ذاكرة أجيال ممن عايشوه وعاصروه وتربوا على فقراته وطرافاته وفكاهاته وأغانيه. ونرجو ألا يمضي وقت طويل قبل أن يتخلص الإعلام البديل من فكرة استغلال الطفل بوصفه ضحية.