×
محافظة مكة المكرمة

أمانة جدة: مسؤولون عن شبكات التصريف القائمة والبقية تسأل عنها "أرامكو"

صورة الخبر

كنت أحد الذين سعدوا جدا بتعيين معالي الدكتور عبدالعزيز الخضيري وزيرا للثقافة والإعلام؛ لأن معاليه من الجيل الشاب، وضرب الوزراء الشباب للمجتمع أنموذجا رائعا في تحريك الوزارات العتيدة، التي تعشعش البيروقراطية في صميمها، وتصبغ كل مفاصلها، وها هو وزير التجارة مثالا حاضرا، عبر رجاله الفرسان الذين يجوبون الأسواق والمتاجر لحمايتنا من هوامير التجار، بل تعدى ذلك إلى تثقيفنا بحقوقنا كمستهلكين، وأشعرنا بأن المواطن ومصلحته هم همهم الأول لا أولئك الهوامير الذين بدؤوا يتململون منه. وقبل أن نبث ما يعتورنا من هموم للوزير، أهتبلها فرصة بتوجيه شكر خاص لمعالي وزير الإعلام السابق الدكتور عبدالعزيز خوجة، على كل ما قدمه للإعلاميين وساحة الإعلام. وبحقّ، فقد عشنا فترة ذهبية، عنوانها: "الحرية المسؤولة" التي لطالما كررها في مجالسه الخاصة، أو تصريحاته، بل حتى في عتاباته الأبوية لنا ـ نحن الإعلاميين ـ إن تجاوزنا، وكان بإمكانه تطبيق النظام وإيقافنا، بيد أنه لم يلجأ أبدا إلى ذلك إلا في حالات نادرة.الزميل الخلوق علي الحازمي رئيس تحرير "سبق" قال لي إن: "معالي الدكتور عبدالعزيز خوجة كان يتصل بي أحيانا بعد منتصف الليل ليعاتبني ـ بأبوّة خالصة ـ في موضوع نشر في صحيفتنا، وبأسلوب يجعلنا نتصاغر حياء منه وخجلا". وبالطبع هذا أسلوبه مع باقي الزملاء، ما يجعلني هنا أن أتقدم باسمي وكثير من زملائي الإعلاميين، بشكرنا وامتنانا للدكتور خوجة على كل ما قدمه لساحة الإعلام، ونشكر له هذا التعامل المثالي الخليق بوزير وبنخب مثقفة، ولا شك أن من يعمل لا بد له أن يعثر، وكفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه، التي تضيع في بحار حسناته. أتمنى من وزيرنا الجديد الدكتور الخضيري أن يبني على ما تحقق من إنجاز في مجال "الحرية المسؤولة" التي ارتبط اسمها بالدكتور عبدالعزيز خوجة، وألا تتقلص مساحة الحرية كما حصل في منتصف التسعينات من القرن الفارط، فيما "تأدلج" الإعلام في حقبة لاحقة، ثم عانى من الترهل والجمود، ويقينا أن الدكتور الخضيري سيحاول جهده أن يرسم بصمة تليق بحيويته وتأريخه المشرق في المواقع التي عمل بها، وهو أحد تلامذة مدرسة إدارية تقول أيضا بالحرية المسؤولة. أتمنى من معالي وزير الإعلام الجديد أن يسعى كل سعيه في حماية حرية الكلمة، ليس من المؤسسات الرسمية فحسب، بل من تلك الشركات العملاقة التي تبتز بإعلاناتها مديري عموم الصحف، الذين يضجون ـ بدورهم ـ ويرفعون عقائرهم على رؤساء التحرير، ويمارسون الضغوط عليهم حول ما ينشر وما يحذف، ولي 25 عاما في بلاط صاحبة الجلالة، وأعلم خفاياها، وما يدور في دهاليزها ومكاتبها، وتلك المقولة الشهيرة التي نتناقلها بأن: "الإعلان مقدس ومقدم على أية مادة تحريرية لأن رواتبنا منها". سأسرد شواهد على ما تقوم به الشركات الكبرى، وأحددها هنا بشركات ومؤسسات الطيران، وشركات الاتصالات العملاقة والبنوك والمصارف الشهيرة، والمؤسسات التجارية الكبرى، فكل هؤلاء يهددون صراحة بقطع إعلاناتهم فورا، إن كتب أي كاتب ينقدهم، أو ثمة تقرير ينال من أدائهم، في ابتزاز فاضح يطعن في مهنية المؤسسة الإعلامية للأسف الشديد. وكنت شاهدا وأنا أعمل في إحدى صحفنا المحلية عندما أتاح رئيس التحرير تقريرا ينتقد إحدى شركات الطيران التي سارعت ـ بعقلية التاجر لا المؤسسة الواثقة من نفسها ـ بإيقاف اشتراك الصحيفة في طائراتها بدلا من الاعتراف بأخطائها أو تصحيح ما تراه مغلوطا في التقرير، ما اضطر مدير عام المؤسسة لبذل مساع كبيرة عبر اجتماعات مضنية مع مسؤولي تلك الشركة، حتى تفضلت بالسماح بتوزيع الصحيفة في طائراتها، ونعلم بقية "الحدوتة" بأن رئيس التحرير أبعد لاحقا من كرسيه، وكانت هذه الحادثة أحد أسباب الإبعاد. في صحيفة أخرى كنت أعمل فيها كتب أحد الزملاء مقالة انتقد فيها إحدى الشركات التجارية الكبرى التي ـ ومرة أخرى ـ بدلا من تصحيح ما تراه مغلوطا، حجبت إعلاناتها، واشترطت على مدير عام الصحيفة أن يتوقف الكاتب ويطرد من الصحيفة، وحضرت ذلك الاجتماع بين المدير العام وأستاذي رئيس التحرير الذي ضرب مثالا رائعا في حمايته لكتّابه، ورفض رفضا قاطعا أن يقوم بهذا العمل المخلّ بشرف المهنة، وقال: "أفضّل أن أطرد أنا من رئاسة التحرير، على أن أقوم بهذا الفعل المشين تجاه كاتب لديّ، ومن حق الشركة أن تعترض وتصحح، لا أن تملي هكذا إملاءات تقدح في سياسة التحرير". وبالطبع أجبر على الاستقالة لاحقا، وكانت هذه الشركة وإعلاناتها المحجوبة أحد الأسباب التي جعلت من مجلس الإدارة يضغط عليه كي يستقيل، بيد أن رئيس التحرير "يرحمه الله" خرج مرفوع الرأس، ضاربا مثالا نادرا في حمايته لحرية الكلمة. العاملون في دهاليز الصحافة يعرفون جيدا كيف تمارس هذه الشركات الكبرى نفوذها وابتزازها الفاضح للصحف والإعلام، وعلى وزيرنا الجديد أن يشيع ثقافة جديدة في حماية حرية الكاتب والصحفيين، وألا نرضخ لهذا الابتزاز على حساب الحقيقة وحرية الكلمة، وحادثة "موبايلي" الأخيرة والتشهير بالشركات التي تقوم بهذا الفعل وفضحهم؛ يجعلهم يرتدعون من أن يلجؤوا لهذا الأسلوب الذي مارسوه أحقابا طويلة في ساحتنا الإعلامية، وثمة قوانين تحفظ حقوق هذه الشركات إن كان ثمة مغالطة أو تحريف للحقيقة. "الحرية المسؤولة" عنوان رقّي وتحضّر المجتمعات، فاحمها أيها الوزير.