يُربك سوء استخدام الأموال وتبذيرها حياة الكثير من الأسر والأفراد، وهو ما يؤدي في النهاية إلى اللجوء إلى "السلف" على أمل لعل وعسى التسديد في نهاية الشهر ومع نزول الرواتب، إلاّ أنه من الممكن الدخول مرةً أخرى في "عشوائية" التدبير، والصرف ببذاخة، ليتكرر "سيناريو" الشهر الماضي وهكذا. ويبقى شعار "فلان عنده وأنا ما عندي" سبباً رئيساً في شراء الأسر لأشياء قد تكون غير مهمة، فالهدف هو مجاراة الآخرين، والوصول إلى مستوياتهم، لكن لا يعلم الأب أو أفراد الأسرة أنهم بتلك الطريقة يوقعون أنفسهم في شر "المصروفات الكبيرة" وهو ما يؤثر بشكل أساسي على ميزانية المنزل، وقد يجد الأب نفسه وفي منتصف الشهر بدون أي مبلغ، مما يؤكد على أن "المقارنات الاقتصادية" تُعد سبباً مؤثراً في فشل إدارة المال. ولكي تتجاوز الأسر مُشكلة زيادة المصروفات لابد من التوازن، واتباع قاعدة "الأهم ثم المهم"، على أن يكون ثلث الراتب لمصروفات المعيشة اليومية، وثُلث آخر للمصروفات الرفاهية، وثُلث هام للتوفير، كذلك لابد من تعويد الأبناء على عدم الإسراف ومشاركة أبويهم مفهوم الميزانية، فالموضوع يحتاج إلى تظافر الجميع، الزوج لا يبخل، الزوجة لا تسرف، الأبناء يتجاوبون. أيام معدودة وقالت "بدرية محمد" -مُطلقة وأُم لثلاثة أطفال-: أحلم دائماً أن ينتهي الشهر من غير ما "أستدين" ولو ريالاً واحداً، فجهلي بالإدارة المالية يقودني دائماً إلى التبذير، ومن بعده الإحساس بالذنب، مضيفةً: "وضعي كمطلقة ولديها أطفال لم يكن كافياً لتعليمي كيف أنفق، الحمد لله لدي وظيفتين أحداهما حكومي والأخرى قطاع خاص، ولكني لا أستطيع أن أحافظ على دخلي، ليأتي آخر الشهر وأبحث عن عشر ريالات من أجل بنزين سيارة سائقي"، مشيرةً إلى أن المشكلة في كل مرة أنها تُردد: "راتب الشهر القادم سأنظم صرفه"، وما أن تصلها رسالة "تم إيداع راتبك" حتى تصرفه في أيام معدودة. ليس المهم كم نملك ولكن الأهم كيف ندير ما نملك.. وهنا يظهر وعي المستهلك دون حاجة وتتفق معها "سارة العجمي" على عدم القدرة على تنظيم الصرف لديها، قائلةً: دائماً ما أنزل إلى الأسواق من غير حاجة، والسبب الفراغ الذي أعاني منه، فحينما أنتهي من عملي وبسبب تأخر زوجي في عمله أنزل مباشره للغداء بأحد المولات، ومن بعدها تبدأ حمى التسوق لدي، هو إدمان لا أستطيع مقاومته، مضيفةً: "المضحك بالموضوع أنه دائماً وبسبب سوء تنظيمي أضطر إلى شراء الشيء نفسه مرةً أُخرى، ولو كان الفارق بين تاريخ الشرائين أسبوعا، والسبب طبعاً أنني لا أركز فيما أشتري، ولا أسأل نفسي لماذا أشتريه؟، أو هل لدي حاجة فيه؟"، مبينةً أنه أحياناً تستفيد من الوضع وتُهدي أقاربها حينما تجتمع لدي "الأغراض" دون استخدامها، لافتةً إلى أنه بالرغم من ذلك فهي لا تتمتع كثيراً بسبب صغر منزلها، واكتظاظه بالحاجات غير الأساسية، إذ ليس لديها سوى غرفة واحدة تجمع فيها أواني وأفران وملابس لم تستخدمها قط، مؤكدةً على أنه حين يأتي آخر الشهر لا تجد في محفظتها شيئاً، فالأهم أنها استمتعت. تكاتف الأزواج وعارضتهما الرأي "مي عادل" -موظفة قطاع خاص وأم لخمسة أطفال- قائلةً: أتشارك أنا وزوجي في مصروفات المنزل، صحيح أننا لا نخطط كثيراً له، ولا يوجد لدينا حساب ادخاري، إلاّ ان راتبه يغطي قرضين أقترضناهما من أجل شراء منزل العمر وأقساط تعليم الأولاد ورواتب السائق والخادمة، وكذلك فواتير المنزل، مضيفةً: "راتبي يغطي مصروفات المنزل من مئونة وما يحتاجه الأطفال سواء ملابس أو أدوات مكتبية أو ما يصرف للمناسبات الاجتماعية والأفراح". وأوضح "عبدالله المطرودي" أن ميزانية الأُسرة هي نفسها ميزانية أي شركة، فأي مدخول لابد أن يكون محدداً، مضيفاً أن المصروفات لابد أن تُحدد وتُقنن، كذلك لابد أن تتضح لائحة كل ما يُحتاج، ومن بعدها تأتي الأولوية من مسكن ومأكل كهرباء ثم لائحة الكماليات، والتي إن زادت ستؤدي إلى إفلاسك آخر الشهر، مبيناً أنه إذا استند صرف الفرد على دخله، فسيكون كالشركات التي تُعلن إفلاسها وانتهاءها، لتتورط اقتصادياً واجتماعياً. ديون دائمة وأكد "أبو عبدالعزيز" -موظف حكومي- على أن الوضع الاقتصادي الحالي لابد وأن يؤثر على الكثير من الأُسر، فقلة الرواتب وانعدام الوظائف للكثير من الشباب والشابات لابد وأن تجعله في دوامة الديون الدائمة، جازماً أن الأمر له علاقة بالعادات، فجميعنا نحب الترفيه والكماليات أكثر من أساسيات احتياجنا، لنقع بالديون، ثم يأتي آخر الشهر والحساب فارغ، ذاكراً أنه من الأفضل إعادة تهذيب هذه العادات، أو حتى قمعها لحياة اقتصادية أسرية سعيدة. وقالت "أمنة الخلف": الكثير يتحدث عن الإفلاس آخر الشهر، لكن لم يتحدث أحد عن التوفير والادخار، فرب الأسرة لابد وأن يُفكر ملياً بهذا الأمر، خاصةً بعد التقاعد، وكيف يصرف على أسرته، مضيفةً أن ثقافة الفرد الغربي تختلف تماماً عن العربي، حيث التحدي كيف ينتهي آخر الشهر وقد وفر ولو دولاراً واحداً، بينما الفرد العربي تحديه كيف ينتهي آخر الشهر ولم يستدين!، مؤكدةً على أن الخلل يقع أولاً بالتربية، حيث لابد على الوالدين تعليم أطفالهما ثقافة الاقتصاد والتوفير، وعدم تلبية احتياجات النفس غير الأساسية، ذاكرةً أنه ربما تكون صعبة في البداية، خاصةً وأننا شعب يحب المظاهر والعيش ضمن طبقة معينة حتى وإن أثقلت كاهلنا، لكنها سرعان ما تؤدي بنا إلى الإفلاس والعجز الاقتصادي. عجز مالي وأشار "وائل المرزوقي" -موظف حكومي- إلى أن الكثير يتمنى أن يزيد راتبه، أو يستثمره استثماراً ناجحاً ليكون ثرياً، مضيفاً: "بحكم خبرتي، حيث كنت من ذوي الدخل المحدود، لأدخل بعدها مشاركة مع زملائي بمشروعات ربحت فيها، ثم استقللت بتجارتي من أجل توفير كل شيء لزوجتي وأطفالي، إلاّ انني مازلت أعاني من عجز مالي بالرغم من توفرها، حيث اكتشفت بعدها أنه حتى الأغنياء من الأسر تعاني من عجز آخر الشهر، فكلما زاد غناك زادت مصروفاتك وحبك لتملك والشراء". وذكرت "أم ابراهيم" -ربة منزل وأم لستة أطفال- أنها تمرست على التوفير منذ وقت طويل، مضيفةً أن من أهم مقومات التوفير أن تكون جاداً ولا تتخاذل، فعلى سبيل المثال حينما تقرر أن تذهب إلى السوبر ماركت تذهب وحدها وبعد وجبة غداء أو أي وجبة، لا أن تذهب وهي جائعة، كذلك يجب أن تكون ورقة "المقاضي" قد راجعتها مراراً لتشتري ما نقص، وليس ما تشتهي، مبينةً أنه عادةً ما تقسّم الشهر إلى أربعة أسابيع، في كل أسبوع تدفع (200) ريال بشرط أن لا تزيد، وأن نقصت تعتبرها "شطارة" منها، لافتةً إلى أنه من ناحية التسوق في "المولات" فلا تذهب إلى السوق إلاّ مع بداية موسم الصيف والشتاء وأوقات التخفيضات. وأضافت: في السفر أفضل أن يكون مع زوجي، فسفر الأطفال مكلف جداً، على أن تُعوّض أطفالها إمّا بهدايا أو مكافأت رمزية تعويضاً لهم، مبينةً أنه عندما يكون لديك ستة أطفال أكبرهم في الصف الثاني ثانوي وأصغرهم لم يدخل المدرسة، لابد أن توازن مصروفاتك وإلاّ أذنت بالأفلاس بالدخول إلى منزلك. نظام اقتصادي وأوضحت "أم نواف" -ربة منزل- أنه بدأ زوجها في بناء منزلهم الخاص، بعدما أرهقهم الإيجار، وبعد مرور عامين اضطروا إلى التوقف بسبب عجزهم المالي، مضيفةً أنه ظل الوضع كذلك مدة طويلة، حتى أنهم مروا بحالة نفسية سيئة، مبينةً أنها بحثت ب"الانترنت" عن كيفية تحقيق القدرة المالية لإنهاء مشروع العمر، ذاكرةً أنها جمعت أسرتها وزوجها وبدأت تشرح لهم كيفية الاقتصاد، مشيرةً إلى أن الجميع عارض ذلك، خاصةً بناتها الثلاث؛ لأنهن سيتأثرن من ناحية الملبس والكماليات، لكنها كانت تُكرر أن المسألة وقتية، حتى ننهي منزل العمر، ذاكرةً أنه بالفعل خفضنا كل شيء تدريجاً حتى لا يصابوا بالإحباط، كما ألغوا السفر خارجياً لمدة عامين، وبالفعل انتهوا من بناء منزلهم، ومازال زوجها وأبناؤها بنظامهم الاقتصادي. واتفق معها "ماجد الشنيفي" -موظف قطاع خاص- في أهمية الاقتصاد، قائلاً: لم أجد لي وظيفة حكومية، الأمر الذي دفعني نحو القطاع الخاص، فالكثير أخبرني أنه لا فائدة من راتبها، خاصةً وأني لا أمتلك شهادة جامعية، صحيح أن القطاع الخاص لا يعطي رواتب عالية لمن لا يمتلكون شهادات، لكن الشخص العامل بجد ومثابرة دائماً ما يترقى بسرعة، مضيفاً: "بالفعل عملت بجد، وبدأت بقسم الراتب إلى النصفين شيء أدخره وشيء آخر أصرف منه بتأن على منزلي، كما أن زوجتي معلمة، مما ساعدني كثيراً على تقسيم المصروفات، وبالفعل لم تأت ابنتي الثالثة إلاّ وقد استطعت أن امتلك منزلي الخاص، بسبب جهدنا وتكاتفنا للعمل على ميزانية أسرتنا بتأن وذكاء شديد". إيجاد توازن وتحدثت "فادية العبدالواحد" -أخصائية أولى بقسم الخدمة الاجتماعية بمستشفى خالد الجامعي- قائلةً: إن ميزانية الأسرة السعودية دخلت منظورا جديدا وغير جيد لمقومات الحياة الأسرية، فاتجهت نحو الترف والكماليات والتبذير أحياناً، وبالتالي هي متخبطة بين الأولويات في مصاريفها، مضيفةً أن من واجب الزوج والزوجة الحرص على مصطلح ميزانية الأسرة، وأن يعملا على إيجاد توازن في مصروفاتهم، وتوجيهها نحو الأولويات، الأهم فالمهم، مبينةً أنه من المهم استخدام المثلث الاسلامي، وهو الثلث، فيكون ثُلث لمصروفات المعيشة اليومية، وثُلث للمصروفات الرفاهية، وثُلث هام وهو التوفير، ذاكراً أنه إذا كان الزوج فقط من يتحمل أعباء الميزانية على زوجته أن تتعاون معه بعدم تحميله ما لا يطيق، مع ملاحظة عدم السماح للزوج بالبخل أو التقتر، مشيراً إلى أن البُخل يحطم كيان الأسرة، فهو نوع من الأنانية والتمحور حول الذات، أمّا إذا كانت الزوجة تعمل فتختلف الحسبة، فنكون بحاجة إلى حساب النصف، ولا يجب أن يستغرب القارئ ذلك، مؤكدةً على أن التعاون مطلوب بين الزوجين بدون أن يكون هناك استغلال من طرف للآخر. تضافر الجميع وأوضحت "فادية العبدالواحد" أنه يجب عدم تجاوز المصروفات الشهرية الميزانية، فهي وضعت للأسرة لتعمل على توجيه الحياة الاقتصادية للأفضل، عبر تأمين منزل ملك وسيارة مناسبة ومستقبل آمن للأبناء، مضيفةً أنه لا ننسى تعويد الأبناء على عدم الإسراف ومشاركة أبويهم مفهوم الميزانية، وكذلك عدم ترك المجال مفتوحا لهم، مُشددةً على أن الموضوع يحتاج إلى تضافر الجميع، الزوج لا يبخل، الزوجة لا تسرف، مع الحرص على الابتعاد عن الحفلات المكلفة، أو جعل "السلف" وسيلة لتغطية كمالياتهما. كيف تخطط ميزانية أسرتك؟ * قسّم دخلك إلى جزأين؛ الأول: الاستهلاك والمصروفات، وتبلغ من مجمل الدخل بين (60- 70%)، الثاني: الادخار أو التوفير ويبلغ من (30- 40%). * قسّم الاستهلاك إلى ثلاثة أجزاء؛ الأول: الضروريات وتستهلك (60%)، وتشمل مصروفات المنزل والفواتير والقروض والأقساط، كذلك ما يخص رواتب الخدم وأقساط مدارس الأطفال وصيانة دورية للمنزل والسيارة، الثاني: الكماليات وتستهلك (30%) حيث تشمل تغيير الأثاث والتحسينات المنزلية، إضافةً إلى السفر والسياحة والتسوق، ولا ننسى المناسبات الاجتماعية، الثالث: الطوارئ، والذي يستهلك فقط (10%) في حالات المستشفيات والأمراض وحوادث السيارات -لاسمح الله-. سلّم أمواله لزوجته وتوهق..! "عادل" رجل بسيط عرف عنه طيبته وسماحته مع الناس، تزوج من قريبته التي تصغره بعام، ليبدأ حياته كأي عريس بالعيش بالإيجار. مضت أعوام قليلة ليكون من المحظوظين الذين حصلوا على إسكان في إحدى الجهات الحكومية، فالجميع يعلم مدى صعوبة الحصول على إحدى الوحدات السكنية لاكتظاظها، كان خبراً سعيداً على الزوجين، فالتخلص من الإيجار من عوامل الرخاء لأي أسرة، خاصةً وأن ابنهما الثالث في الطريق. بدأت مرحلة النقل والذي ساعدهم بها الأقارب، فالكل يهدي له النصائح بتوفير المال لمنزل العمر مستقبلاً، والذي سيكون سهلا عليه بناؤه. كانت أخته تتواصل معه دائماً، خاصةً بعد كل مناسبة ترى فيها أسرته، لتنهال عليه بالنصائح: "انتبه لمصروفاتك، احفظ مالك"، الأمر الذي جعله يتجاهل اتصالاتها المتكررة، بل وحتى زيارتها الذي كان يداوم عليها بسبب كثرة أحاديثها. "عادل" رجل "سمح" ومحب لأسرته، لكنه فعلاً كان ينقصه بعض التحكم، خاصةً أن نصفه الآخر -زوجته- تدير كل شيء في حياته. "آمنة" زوجة "عادل" رزقها الله الجمال، وأخذ منها حسن التصرف والتعامل مع جميع الأمور، خاصةً فيما يتعلق بمنزلها، ومن الطبيعي حينما تكون المرأة غير متعلمة فإنها تنقل ما تعودت عليه في منزل أهلها إلى زوجها، قوتها لا يستهان بها، فالكثير من نساء وطنها قد سلب منهن أموالهن، أو بطاقات صراف رواتبهن، ما عدا هي، حيث استطاعت أن تمتلك حساب زوجها بالكامل، الأمر الذي لم يعجب ذلك أهل "عادل"، وأولهم أخته، ففي كل مناسبة تبذل "آمنة" جهدها لتكون الأفضل والأجمل بمقتنياتها، من ملابس وكماليات، غير ذلك الرحلات السنوية إلى الخارج. مرت السنوات و"عادل" في غفلته، ليسأله زميله بالعمل: "متى ستتقاعد؟"، تفاجأ أنه آخر عام، وما هي إلاّ شهور قليلة وسيخرج من منزل الجهة الحكومية ليواجه واقعه المرير، أين يسكن؟، ومن أين يصرف؟، خاصةً وأن راتبه سينقص إلى النصف. بدأ يبحث هنا وهناك ويتصل بالآخرين لأخذ مشورتهم، ليكتشف أنه تورط بسبب قلة حنكته بإدارة أمواله، وسوء تصرف زوجته، اتصل بأخته يستنجد بها والدموع قد خنقته ليفاجأ بردها: "قلت لك ولا سمعت الكلام، خل زوجتك تنفعك". اضطر "عادل" إلى اقتراضه مبلغاً لأجل شراء منزل لا يليق بأن تسكن فيه زوجته -على حد قولها-، لكن ظروف الحياة أجبرته ولا يعلم ما إذا كان قادراً على تسديد هذا القرض والعيش برخاء كما كان أو لا. #هشتقة