حسنا فعلت «عكاظ» باستضافتها معالي رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، الأستاذ محمد بن عبد الله الشريف، ضمن برنامجها «حوار المسؤولية المشتركة» ، وذلك مساء الخميس 13/11/1434هـ ، الموافق (19/9/2013م). وقد نشر ما دار من أسئلة وأجوبة في الحوار مع الضيف في حلقتين بعددي جريدة عكاظ الصادرين يومي السبت والأحد التاليين. الأسئلة والأجوبة، مع جودتها، كانت مثيرة وعلى مستوى الحدث وخطورة الفساد، موضوع الحوار. وقد حددت جزئية من أجوبة رئيس الهيئة موضوع هذا المقال، عندما قال: «الهيئة.. لا تشهر كما يطالب الكثير من المواطنين، وفي الهيئة نتمنى أن يكون صلاحيتها التشهير لكن التشهير مصنف كعقوبة والعقوبة لا تكون إلا بنص حكم قضائي، فأول شيء يخدم الهيئة هو التشهير، فلو شهرنا ونشرنا بالاسم ما وقفنا عليه من قضايا لعشر حالات فقط أنا متأكد أن الفساد سينحسر بسرعة كبيرة لكنا لا نملك التشهير» . لماذا التشهير ؟.. لقد أصبح الفساد في الوقت الراهن ظاهرة عامة تعاني منها المجتمعات والدول، لدرجة أن أصبحت ثقافته جزءا من ثقافة أي مجتمع تقريبا. وغير أن الفساد يعتبر ضد الأخلاق والقيم الفاضلة، ومحاربته أصبحت واجبة، فإن خطره وضرره يطال مصالح الأفراد والمجتمع ويمس أمن الجميع. والمفسد أو الفاسد واقع في الأصل تحت تأثير تربية أسرته له وتأثير ما حدث له خلال طفولته، يضاف لذلك تأثير المجتمع ككل عليه وعلى توجهاته في الحياة بشكل عام. وللفساد، (مادي أو معنوي)، أنواع حسب مجالاته : مالية وإدارية واجتماعية، وسياسية..، وقد يكون الفساد على مستوى كبير أو صغير، وصادر من شخص أو مجموعة أشخاص أو مصلحة (عامة أو خاصة). وقد تـم تعريف الفساد من قبل رئيس الهيئة بقوله: «هناك أنواع كثيرة من الفساد.. الذي يعنينا بالهيئة والذي أسست الهيئة من أجله هو الفساد الذي يقوم على استغلال المنصب باستغلال الصلاحية التي منحتها الوظيفة لهذا المسؤول أو هذا الموظف للحصول على مكاسب خاصة شخصيا على حساب المصالح العامة للمواطنين، ويتفرع منه طبعا تعريفات أخرى كثيرة». هنا يمكن القول إن منطلق مكافحة الفساد، في الأصل، ترتكز على الدين الإسلامي الذي هو الأساس، ولهذا، كما قال رئيس الهيئة : أصدرت الدولة «الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد» ضد الانحرافات المالية والإدارية في القطاعين العام والخاص. لذلك وبحكم أن في الفساد خطورة وضررا للمجتمع، وفيه خيانة للمسؤولية، فعقوبته واجبة ومن ضمنها التشهير الذي يوجد أساس له في الإسلام، إن وجد ما يدعو إلى إصدار عقوبته. على أن عقوبة التشهير تعد عقوبة تعزيرية وتصدر من القضاء الشرعي في المحاكم بعد التأكد من جرم الفساد وشرعية عقوبته. وفيما يتعلق بالأمر فقد قال رئيس الهيئة ضمن إجاباته: «ومن ضمن العقوبات التشهير ونحن نتمنى لو كان بالإمكان التشهير، لكن صنف على أنه عقوبة والتشهير لا يكون إلا بعد صدور حكم والنص بالحكم على التشهير فليس أيضا بيد الهيئة أنها تشهر». كون التشهير عبارة عن فضح للمخالف لكي يعرفه الناس في المجتمع، فإنه يؤثر نفسيا ومعنويا على المخالف، وفي العموم له إيجابيات منها «إيقاف المفسد عند حده»، لكي لا يتمادى في الفساد، خاصة إذا شعر بتجنب الناس له وابتعادهم عنه وبعدم ثقتهم به أو الاعتماد عليه. ولذلك فقد يخشى المفسد عقوبة التشهير أكثر من غيرها من العقوبات. ففي التشهير عظة وعبرة للمخالف، وفيه أيضا ردع للجميع، لأن التشهير بالمفسد المخالف، وفضحه أمام الناس، يجعله ذلك والآخرين يفكرون كثيرا قبل الإقدام على عمل من أعمال الفساد. وقد لا يحصر التشهير فقط في مخالفات الفساد، إذ هناك مخالفات وجنايات وجرائـم أخرى قد تتطلب عقوبة التشهير كذلك. في الختام، لكي يحقق التشهير إيجابياته، ومنها انحسار الفساد المالي والإداري، وغيره من المخالفات الأخرى التي تتطلب عقوبته، فإنه مهم وبشكل عام مراعاة الاستفادة منه لمنع الإساءة لمصالح الأفراد والجماعات والمجتمع الذي يعيشون فيه .. والله أعلم.