×
محافظة المنطقة الشرقية

افتتاح مكتب بريد الصالحية بالأحساء

صورة الخبر

الصوالين الأدبية لها عمقها في تاريخنا الحضاري. وقد عُرفت منذ شاع مصطلح الأدب في عصوره الذهبية، في الدولتين «الأموية» و»العباسية» وفي «الأندلس».وقد تقصاها مؤرخو الأدب، وأشاروا إلى مهماتها، والمتداول فيها، وأبرز القائمين عليها، وجاء من خصها بدراسات حصرية، وتحليلية، وتقويمية في القديم والحديث. ولأن المقام لا يستدعي تقصي تاريخها، ومهماتها، فإننا نحيل إلى من نفلها بدراسات متخصصة، لمن أراد التعرف على طبيعتها، ومجال اهتماماتها. و»المملكة العربية السعودية» ليست بدعاً في السياق العربي المعاصر، في الاحتفاء بالمؤسسات الثقافية: الرسمية، والأهلية. لقد عَرَفَت الصوالين الأدبية قبل توحيدها، على يد المؤسس الملك «عبدالعزيز» رحمه الله، وتعددت، وتنوعت بعد التكوين، وأثناء البناء. وهي الآن في أوج نضجها وتعددها. ولعلنا نشير إلى طائفة منها، اعترافاً بفضل منشيئها، وإشادة بجهود المسهمين في الإنفاق عليها، وإحياء نشاطاتها. نذكر على سبيل المثال «اثنينية الخوجة» في «جدة» و»سبتية حمد الجاسر»، و»عبدالكريم الجاسر»، و»ثلوثية المشوح»، و»اثنينة عثمان الصالح»، و»أحدية المبارك» في «الرياض»، والأحساء، وصالونات أخرى في «الرياض» و»جدة» و»مكة» و»المدينة» وسائر مدن المملكة. وكلها تمارس النشاط الثقافي، والإجتماعي، والمعرفي الخالص. وهي في ماضيها وحاضرها مضامير لزز، لإبراز الجماليات القولية، والفعلية. ولربما تَفْرِضُ الأوضاعُ على الصوالين الأدبية مهمات، لم تكن من أولويات مهماتها، متى تحولت الوقوعات الخاطئة إلى ظواهر. لأنها منتديات تثقيف، وتربية، وتوجيه. وليست قصراً على الضخ المعرفي. ومتى تَحوَّلت الوقوُعات إلى ظواهر، فإنه يتحتم على المسؤول التهيؤ لتفتيت الظاهرة، وإعادتها إلى وقوعات نادرة، غير ملفتة للنظر، ولا مستفزة للمشاعر. وذلك ما فعله [خادم الحرمين الشريفين] حين كثر اللغط حول تفشي ظاهرة الفساد في البلاد. لقد أنشأ «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد» وحدد رسالتها. وهنا يأتي دور المؤسسات الثقافية، والتربوية، والإعلامية، لمساندة مثل هذه المؤسسات، وذلك بالتوعية، وإشاعة القيم السلوكية، والتعاملية. والجهات الرقابية والمحاسبية، والكفاحية، تمارس مهماتها لخدمة المجتمع، وحمايته، وواجب مؤسسات المجتمع المدني مساندة كافة الهيئات الرقابية، والتوعوية. ومتى تخاذلت المؤسسات، فقدت الهيئات هيبتها، وتضاعفت مسؤولياتها. والتخطي بمثل هذه المؤسسات من ممارسة الملاحقة، وضبط المخالف، إلى الحيلولة دون تفشي السلوكيات غير السوية، والتوعية، وإشاعة السلوك السوي مَطْلبٌ رئيس، لأنه من باب الوقاية والوقاية خير من العلاج. فالدولة لا تود قَصْر الجهود على الملاحقة، والمحاسبة، وهي تملك الاستباق، والاحتواء. وليس من الظواهر الحضارية اقتصار المؤسسات على المهمات «البوليسية» القائمة على الملاحقة، وضبط المخالفين، ومعاقبتهم. إن الأجدى والأهدى أن تتضافر الجهود لممارسة التوعية، والتربية. وتلك مهمات تتقاسمها المؤسسات الثقافية، والتربوية، والإعلامية، والدعوية، والإرشادية. والمجتمع المدني، لايستكمل محققات وجوده السوي، إلا بتوحيد الجهود، والتنسيق فيما بين مختلف المؤسسات ذات المهمات الرقابية، والمحاسبية، والمكافحة. ومتى قَصَّرت تلك الجهات بواجباتها تفشت السلوكيات السيئة في المجتمع، وأصبحت مسؤوليات المكافحة صعبة. ونتائجها دون المؤمل. وكم في المجتمع من مؤسسات، وهيئات تمارس المكافحة. ومن الخطأ أن نظن أن المكافحة لاتكون إلا في أعقاب المخالفة. إن هناك مهمات استباقية، تحول دون الوقوع في الجريمة، أياً كان نوعها. وإذا تلبس المخالف بالجريمة، فإن هناك خيارات عدة، لضبطه، ومعالجة وضعه. وليس الحل وقفاً على محاكمته، ومعاقبته. إن المخالف كالمريض، لابد من تشخيص حالته، والدقة في أسلوب مواجهته، ولكي نكون مجتمعاً حضارياً، متكاملاً سلوكه، وتصوره، مع انتمائه الإسلامي، فإن واجبه أن يكون على وعي تام بأن تكوين المجتمع المثالي، لايقتصر على ممارسة سلطة الأطر، والتخويف، وإصدار الأوامر، والنواهي، والإكراه. فالتربية، والتوعية، والإرشاد، والقدوة الحسنة هي المكونات الفعلية للمجتمع المثالي. وهنا لابد من وضع آلية، ومنهج، تُمَكِّن مختلف المؤسسات من تبادل الخبرات، والمهمات، والإمكانيات، لتنشئة الأجيال على القيم الأخلاقية. وإذ يكون من بين المؤسسات التوعوية [الصوالين الأدبية]، فإن التوفر على التصور السليم لها، أن نتعرف على مهماتها، واختصاصاتها، وأن نتطلع إلى ممارسة محسوبة، تمكن هذه الصوالين من الأداء السليم. فإذا كان من أولويات مهماتها تربية الأذواق، والإفادة، والإمتاع، وملء الفراغ، بما يعود على الفرد، والمجتمع بالنفع العميم، فإن تهذيب الأخلاق، لا يقل عن تربية الأذواق. ومكافحةُ الفساد سبيلٌ من سبل تهذيب الأخلاق. بل ربما يكون المهمة التطبيقية. إن هناك تداخلاً بين مهمات الصالونات الأدبية، و»الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد»، وهو تداخل يكاد يكون غائباً، أو مغيباً. ولما لم نكن بصدد البحث عن مصدر التقصير، فإن مهماتنا التذكير بهذه الواجبات الغائبة، والتحفيز على تداركها. وقديماً قيل: [لَأَنْ تَصِل متأخراً، خيرٌ من ألا تصل]. هذا التداخل ينطلق من مسؤولية التوعوية بوصفها أسلوباً استباقياً، يحول دون التلبس بالخطأ. فإذا كان من مسؤوليات الهيئة التَّحْذِير، والتَّخْوِيف، واستثارة كوامِنْ الضمائر الحية، فإن الصالونات الأدبية هي الأخرى مسؤولة عن التوعية، وتحذير رُوَّادها من الوقوع في مهاوي الرذيلة. فالأدب قول، وسلوك. والأدب بوصفه مُرَبِّياً للأذواق بالكلمة الجميلة، وبالأسلوب العذب، فإنه في الوقت نفسه مُطالبٌ بتهذيب الأخلاق. إن تربية الأخلاق لا تقل عن تربية الأذواق. فالأدب يبحث في جماليات النص. ومن التمام أن تلتقي الأخلاق الفاضلة، بالأذواق الجميلة. بهذا تتجلى التداخلات بين المهمات. وهي تداخلات ربما أنها دون المؤمل، فالصالونات قد تستحضر أهمية السلوك الحسن، ولكنها قد لاتستحضر تداخل تطلعاتها، مع مسؤولية الهيئات المعنية بمكافحة الفساد. و»المملكة العربية السعودية» بما هي عليه من امكانيات، وأجواء ملائمة، تتضاعف مسؤوليات نخبها، وبخاصة القائمين على تلك الصالونات، والمسهمين في نشاطاتها. إذ ليس من المصلحة أن يقتصر نشاط الصالونات على الأدب الخالص، ولا سيما أنها تجنح إلى الثقافة. والثقافةُ تتسع للعلوم، والمعارف، وسائر المناشط البشرية. لقد أسهمت الصالونات في إثراء المشاهد الأدبية، بالمحاضرات، والندوات، والأماسي، واللقاءات، وطباعة الكتب، وتجسير الفجوات بين أدباء الوطن العربي. وكان حضورها في المحافل الأدبية مدعاة فخر، واعتزاز. وهي وإذ أثبتت حيويتها، وفعاليتها، ونازعت الأندية الأدبية الصدارة، فإن واجبها أن تكون عضداً للهيئات الرقابية، والمحاسبية. فالتوعية، والإرشاد، والدعوة محسوبةٌ على مهمة الإصلاح، والإصلاح مطلب إسلامي، تطالب به المؤسسات قبل الأفراد. وإذا كانت هناك هيئات لمكافحة المخدرات، وأخرى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهيئات لمكافحة الفساد، وأجهزة لضبط المخالفات المرورية، وهيئات لحفظ حقوق الإنسان، فإن واجب المؤسسات التربوية، والتعليمية، والإعلامية، وسائر المؤسسات الثقافية من أندية، وصالونات، ومنتديات، العمل على التنسيق فيما بينها لاستباق المخالفات، والحيلولة دون وقوع الفأس على الرأس. فالمخالفة حين تقع، يكون وقوعها مؤشِّرَ تقصيرٍ من مؤسسات التربية، والتوعية، والإرشاد. إن الدور الرئيس للصالونات الأدبية هو الحيلولة دون الوقوع في الخطأ التعبيري، أو الخطأ المعرفي، ومع هذا فإن الخطأ، أو الفساد السلوكي، أو التعاملي، لا يقل عنها خطورة. وحين يتحول الخطأ - أياً كان نوعه - من وقوعات، إلى ظواهر، يتبين فيه تقصير هذه المؤسسات في أداء مهماتها التوعوية. ولكي تكون ممارساتنا مؤسساتية مستدامة، ومنظمة، لا بد من أن يأتمر الجميع فيما بينهم، وأن يَخْرجوا بخطة محكمة، تمكن كل مؤسسة من ممارسة مهماتها على الوجه الأكمل. وليس من الحصافة أن تُنسف الجسور بين تلك المؤسسات، بحيث تصبح كل مؤسسة بمعزل عن سائر المؤسسات الخدمية، والرقابية، والإصلاحية. ما لانوده لسائر محافلنا، ومؤسساتنا الاتكالية، والغفلة، وفوات الفرض. وليس من الحصافة -أيضاً- أن تُسرِف الصالونات الأدبية في تربية الأذواق، وتُقَصِّر في تربية الأخلاق. والأمة حين لا تُرهبها إلا الرقابة الخارجية، تكون مَدْخولة في أخلاقها، مأخوذة في تربيتها. وتباً لأمة لا تقمعها إلا القوانين، ولا يُخيفها إلا الرقيب الخارجي. وبُعداً لمسؤولين لا يأطرهم على الحق إلى مبدأ العقاب، والحساب. إن الضمائر الحية حين تُوجِّه المسيرة، تَضْمن لها السلامة. لكل هذا أصبح من واجب مؤسسات الثقافة، وحملة الأقلام، ورجال الإعلام، أن يتخذوا سبيل التربية، والتوعية، وألا يركنوا إلى المؤسسات الرقابية، والمحاسبية. إنك إن تمنع المخالفة بالإخافة، تجعل من المستهدف مُخَاتِلاً يترقب الغفلة. وإن توقظ فيه ضميره، تجعل النزاهة قضية. إننا بحاجة إلى تربية القيم، وتنشئة أجيال تراقب ذاتها، وتقمع جشعها، وتلوم تقصيرها. إن رَجُلاً ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، من السبعة الذين يظلهم الله، يوم لاظل إلا ظله. وهذه من الرقابة الذاتية، فهو لا يُرى، وقد بكى في خلوته. وليس دونه مسؤول يَعِفُّ عن المال العام، وهو قادر على كسبه بطرق غير مشروعة. إننا لانريد أن نظل نَحْمي الحمى بالمُراقب الخارجي، ونذود عنه المتهافتين بالأنظمة الرقابية. فإشاعة الأخلاقيات الفاضلة أهم من اكتشاف متلاعب، أو مقصر، أو مختلس. دعونا نفكر بالتربية، لا بالمتابعة. وبالبحث عن الاستقامة، لا بالدقة في المحاسبة. صحيح أن «من أمن العقاب أساء الأدب»، وصحيح أن «المال السائب يعلم السرقة»، وصحيح أن «الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن». ولكن هذه خطوات ليست هي الخيار الأول في معالجة الفساد. الخيار الأول أن تشيع النزاهة الذاتية والعفوية، وأن نجعل من الضمائر الحية سبيلاً لاجتثاث الفساد. أن ينبعث من أعماق المُبْتلى بالقاذورات، صَوْتُ الضمير مُردداً:- «لحم نبت على السحت، النار أولى به»، و»أطب مطعمك، تجب دعوتك»، و «لعن الله الراشي والمرتشي والرائش»، و»ألا وشهادة الزور، ألا وقول الزور»، خيرٌ من أن نكثف الرقابة على كل ممارس للعمل العام.