نشرت عكاظ قبل أسابيع قضية رنا الدوسري وأخيها ماجد اللذين يعانيان من مرض السمنة وكنت أتابع حالتيهما باهتمام حتى توقفت عند رغبة رنا الدوسري في تحويل علاجها من نيويورك إلى مستشفيات كليفلاند، واستشعرت الدهشة تعلو عددا من الوجوه التي ارتبط في مخيلتها أن نيويورك وبعض المدن السياحية الكبرى هي الأولى في كل شيء، لذلك تلاحظ حتى عدد من الطلاب المبتعثين يخطئون في اختيار الجامعة تبعا لحجم المدينة؛ لأننا في الحقيقة أيضا تعودنا أن تكون أهم الجامعات في بلادنا العربية تتكوم في أكبر المدن . ومن المهم الإشارة إلى أن بلادنا لديها المقومات والإمكانيات التي تجعلها في مصاف الدول التي يشار لأطبائها بالإجلال والتقدير وخاصة بعض مستشفيات المدن الكبرى في بلادنا وإن كانت مدن الأطراف تشتكي إهمالها وتهميشها ، والغريب أننا بدأنا نتراجع بشكل ملحوظ، وقد يكون السبب أن الطب ليس مثل باقي التخصصات العلمية التي قد لا تتضرر بالجمود فترة من الزمن بعكس الطبيب الذي يتكاسل أو يتهاون بمتابعة أبحاثه الطبية، فيكون الثمن غاليا، لذا يجب أن يلزم الطبيب بمتابعة ما يستجد ولا يعامل مثل باقي التخصصات في حرية إكمال أبحاثه من عدمها، فطالما اخترت أن تكون طبيبا فعليك أن تقبل بتبعات هذه المهنة الإنسانية العظيمة، فقد وصلني من إحدى الباحثات السعوديات المتميزات في الطب وتتابع دراستها في الخارج أنها تتألم من عدم تبني مركز الأبحاث الطبية في المملكة لمشروعها المتميز في متابعة مثل هذه الأبحاث، بينما تتسابق الدول الخليجية والأجنبية في تبني مشروعها ، والمضحك أن إحدى الدول الخليجية عرضت عليها أن تقدم مشروعها للفريق الأمريكي؛ ليصبح هذا البحث السعودي بحثا أمريكيا بتمويل خليجي، فهل يعقل ذلك ؟! صحيح أن الحالات التي يتم إرسالها للعلاج في الخارج هي فقط لحالات محدودة يصعب مداواتها، ومازال هناك نخبة من الأطباء السعوديين المتميزين، إلا أنه مازال الكثير من المسؤولين لايعي أهمية الأبحاث الطبية، عدا أن أطباءنا أغلبهم غير متابعين للمنشور، حتى أنني أتذكر أن أحد أطباء الأطفال توقفت معلوماته عند أبحاث طبية يزيد عمرها على عشرين عاما، وكنت لاأجد مفرا من العودة إلى إحدى الطالبات اللاتي مازلن على مقاعد الدراسة في كلية الطب عندما أحتاج استشارة طبية ! وأذكر أيضا أنني سمعت في إحدى الحوارات أن أبناء العرق السامي أكثر تميزا بالطب لأن معجزة أنبيائهم كانت تعتمد على العلاج وإحياء الموتى، وكأن ذلك يستدعي أيضا أن نتفوق على الغرب في مجالات اللغة والأدب طالما نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام كانت معجزته في النظم القرآني. ويبدو أن هؤلاء تناسوا فترة ذهبية من زمن أجدادنا المتميزين في الطب في زمن الظلام الأوروبي ، فقد كان الشافعي يرى أن الطب من أنبل المهن بعد الحلال والحرام . وورد عن الرازي قوله: «وبلغ من صبري واجتهادي، أني كتبت بمثل خط التعاويذ في عام واحد أكثر من عشرين ألف ورقة، وبقيت في عمل كتاب «الجامع الكبير» خمس عشرة سنة، أعمله بالليل والنهار، حتى ضعف بصري، وحدث علي فسخ في عضلِ يدي، يمنعاني في وقتي هذا عن القراءة والكتابة، وأنا على حالي لا أَدعها بمقدار جهدي، وأستعين دائما بمن يقرأ ويكتب لي» والقائمة من علمائنا الذين سخروا أنفسهم لهذه المهنة النبيلة تطول. وارتبط تميزهم بالعلوم الطبية بالانكباب على البحث العلمي على امتداد حياتهم، وليس بمرحلة دراسية محددة يصبح فيها الطالب في بداية شبابه طبيبا توكل له حالات مرضى دون رقابة أو توجيه أو تطوير ولا يمنع أيضا أن نفاجأ بعد فترة من الزمن أن أحد هؤلاء الأطباء أصبح لديه عيادة خاصة وتعلم صنعة أخرى إما في تجارة الرز أو في الطب الشعبي مثل التحنيك وغيره . ختاما مرحبا بك رنا وأحسن الله عزاءك في ماجد . أمنية: دعم البحوث العلمية هو أسهل طريق للوصول إلى مصاف الدول المتقدمة . dr-noram@hotmail.com