"نحن مقبلون على دورة جديدة لأسعار النفط التي ستنخفض، وأتوقع أنها ستستمر مدة خمس إلى سبع سنوات، ووداعا للأسعار فوق الـ100 دولار، وأستبعد نظرية المؤامرة التي يهجس بها توماس فريدمان وأضرابه من السياسيين". كانت السطور الآنفة جوابا لي من مستشار وزير النفط السعودي وأحد أشهر خبراء النفط في بلادنا، حيث حاورت د. محمد الصبان وقتما استبدّ بي القلق، وسألته عن السلعة الأهم في حياتنا نحن شعوب ودول منطقة الخليج، وأي مشهد قادم ينتظرنا؟ يتحدث السياسيون كثيرا، وخصوصا في الخارج، بأن دول الخليج –السعودية بالتحديد- تقود حرب الأسعار لتركيع روسيا وإيران، ورأينا الأثر الفوري في عملتيهما، إذ فقد الروبل الروسي 35% من قيمته، وتهاوت العملة الإيرانية كذلك، ولكن د. الصبان وغيره، يرون أن ذلك أثر ناتج متوقع من الانخفاض الحاد لسعر البترول، وليس بالضرورة أنهما مستهدفتان بشكل رئيس من قبل دول الخليج. تناوشتنا الأسباب التي يجزم بها كتبة الصحافة الغربية ومراسلوها المتخصصون، فمن يقول إن السبب هو منافسة البترول الصخري الذي سيتأثر الاستثمار فيه بشكل كبير حال انخفاض سعر النفط العادي، وآخرون يتحدثون عن أن السبب وفرة المعروض، فيما الماليون يقولون إن ارتفاع الدولار كان أحد الأسباب في انخفاض النفط، ومهما كانت الأسباب وأنّى تعددت، فما يهمني أنا كمواطن بسيط غير متخصص، هو انعكاسات هذا الانخفاض على تنمية بلدي ومعيشتي وحياتي. من المؤسف فعلا، أننا في بلد البترول الأول وعندما يبحث الإعلام عن متخصصين وخبراء في النفط يستطيعون فك أحجية الانخفاض والارتفاع، لا يجد سوى القلة التي تتجاوب على عدد أصابع اليد الواحدة، وهنا دعوة إلى معالي وزير النفط أنه من الضروري إعداد وتدريب بعض الخبراء النفطيين للتحدث في وسائل الإعلام السعودية والعربية، لينقلوا للمجتمع والعالم وجهة نظرنا بدلا من أن نستقيها من وسائل الإعلام العالمية بكل رسائلها المغلوطة أو المدسوسة. تهيئة المجتمع وإعلام المواطن بما ينتظره خلال السنوات المقبلات أمران ضروريان، وعلى الدولة أن تقوم بتلك التهيئة عبر وسائل الإعلام. ما الذي سيحدثه انخفاض الأسعار على التنمية؟ هل ستتوقف المشاريع إن نزل البترول عن الـ60 دولارا -نزل عن الـ70 دولارا لحظة كتابة هذه المقالة- أو حتى الـ50 دولارا؟ وكل ذلك مرشح لأننا الآن في فصل الشتاء حيث يكثر الطلب، ولكن الأسعار ربما ستتهاوى في فصل الصيف لأكثر من ذلك بسبب ضعف الطلب. يجب على خبرائنا تبصرتنا عن تلك الخسائر أو المكاسب التي سنغنمها كمواطنين جراء انخفاض النفط، كأسعار الأراضي والعقارات السكنية، وهل ستكون في متناول أيدي الشرائح المتوسطة والأقل أم يحجم الهوامير عن بيعها؟ وهل ستكون هناك هجرة خارج الوطن لرؤوس الأموال السعودية تنعكس سلبا على اقتصادنا؟ وماذا عن احمرار الأسهم، وأي مدى زمني سيلازمها اللون المخيف؟ هناك الأهم، أسعار السيارات –اليابانية بالخصوص- بسبب ارتفاع الدولار، الذي ينعكس إيجابا على ريالنا المرتبط به أبديا، فحتى الطالب الجامعي في سنته الأولى بتخصص الاقتصاد، يعرف أن ارتفاع عملتنا تجاه "الين" يعني انخفاضا في سعر الواردات اليابانية، والحقيقة لا ألمس -وغيري من المواطنين- منذ فترة طويلة رغم انخفاض "الين" أمام الدولار؛ إلا ارتفاعا فاحشا في أسعار السيارات اليابانية، بل كل السلع اليابانية. التاجر في مجتمعنا يعرف حقه في ارتفاع السعر، ولكنه يُبقي السعر -بلا أي رقيب ودون مساءلة- وقتما يفترض بالسعر أن ينخفض. أدعو هنا -برجاء وأمل بحجم ثقة والدنا خادم الحرمين- وزيرنا اللامع توفيق الربيعة الذي اكتسب شعبية كبيرة بين المواطنين، إلى أن يرسل رجالاته الفرسان، ليضبطوا الأسعار في شركات السيارات اليابانية ويرضخوها رغما عنها، مهما كانت إمبراطوريتها وسطوتها على المجتمع ووسائل الإعلام، كي تلتزم بسعر السوق العادل. الأمل بالله ثم بك -يا وزير التجارة- أن تولي هذا الموضوع اهتمامك الشخصي، فمعظم هؤلاء التجار لا يرقبون في المجتمع إلا ولا ذمة، ولا همّ لهم سوى جني المال على حساب المواطن الغافل، الذي أرهقته ديون وأقساط البنوك كي يقتني سيارة يوصل بها أولاده وبناته في ظل عدم وجود وسائل نقل عام، وهذه الشركات العملاقة تبتز وسائل الإعلام بعدم نشر أي نقد عليها وإلا أوقفت الإعلانات، وما حادثة "موبايلي" عنك ببعيد، فاحم -أيها الوزير الشجاع- المواطن، وأرغم أولئك التجار على أن يأخذوا ما هو حق لهم فقط دون تجاوز. سأعود إلى أستاذنا الخلوق محمد الصبان، الذي ألحّ في الحوار على مسألة غاية في الأهمية ترتبط بأجيالنا المقبلة، ألا وهي مسألة الصناديق السيادية. الصبان ذكر لي معلومة بأن استثماراتنا الخارجية، تقوم مؤسسة النقد بوضع معظمها على هيئة سندات في الخزانة الأميركية، وأننا نأخذ فوائد عليها بواقع 1%، ومعدل التضخم العالمي يزيد على 5%، فيعني هذا خسارتنا 4% بدلا من أن نكسب. ما هو مشهدنا القادم جراء انخفاض النفط؟ الجواب واجب على المسؤولين والإعلام لتبيانه للمجتمع، كي يتعاضد المواطن مع ولاة الأمر في تجاوز السنوات العجاف.