×
محافظة المنطقة الشرقية

«المالية» تُعيد مبالغ رخص العمل إلى شركات المقاولات

صورة الخبر

موهبة خرجت من أسرارها إلى العلن، هلا شقير الابنة الوحيدة لرائدة التجريد الهندسي في لبنان الفنانة سلوى روضة شقير، تحقق في خروجها من ظل الأم الذي لطالما كانت تتفيأه وتختبئ خلفه وتتوارى من أجله، إلى دائرة الضوء ولادة جديدة، تقدم لأول مرة نتاجها الفردي بعد سنوات طويلة قضتها ترسم وتكتب الشعر في الخفاء، تعبّر عن ذاتها وكينونتها والأشياء التي أرّقتها في تنقلاتها ما بين المغتربات (باريس والولايات المتحدة الأميركية). والمعرض الذي ينظمه صالح بركات للرسامة في غاليري «أجيال» بعنوان «حبيبات الضوء» يفتح آفاق النظر لاكتشاف أعمال ورقية (75 رسماً بالأكريليك) خارجة بمضمونها عن الإشكاليات المعاصرة، بل عن الزمن الراهن، لفرط ذاتيتها في مقاربة الفن وتفرّد أسلوبها وموضوعاتها الآتية من ينابيع الشغف والتصميم الهندسي مع الخيال الغرائبي. مثل نسيج يجري ويتدفّق وتتغلغل فيه عروق الأشياء التي من ماهيتها تتبلور أشكال جسمانية ويتكور في دواخلها كيانات عضوية، حيث تنسكب الأجزاء كالخلايا في قميص نوراني، كي تعبُر الخطوط من مضائق النفس نحو كينونة إرادية، في التفاتة نحو الباطن والحزن وحالات الانطواء. هي النفس التي تفصح عن فحواها بالزيوح التي تصير أشياءها الحميمة في ما بعد، وبالتلوين المتقشّف الذي يكتفي بالأقل كي يقول الكثير. لا بهجة ولا ألوان ولا أماكن حيّة، ولا نضارة أو رحابة، بل اختناق يشفّ عن روح متململة بثوب الدّعة والسكون والأنس والتودّد إلى اليد النشطة السائرة إلى مواكبها بلهفة، من أجل أن تبني ممالكها الوهميّة. فكل رقعة مهما بدت مشابهة في التقنية والمظهر مع أقرانها، إلا أنها تتمايز عنها في المشهدية التي تتحقق في غير مكان وزمان لأن ثمراتها من حقول مختلفة. وبين التشابه والتمايز هذا الخيال الخصب، والهندسة الخفية «العنكبوتية» التي تشبه خلايا الجلد حين تتوسع أو تضيق مسامها وتتعرّج وتغور أو تطفو وتتفتّح وتزهر. لذا فإن رسومها تطلّ في مظاهرها البصريّة الخادعة والمضلّلة كأنها ضمادات من الشاش الرقيق والشفاف، الذي يغطيّ الفراغ فيملأه، ولكنه يخبئ في الحقيقة جروحاً تظلّ متوارية عن العيون. الفنّ كطبابة، أو الفنّ كحاجة ومتعة ومصالحة مع النفس أو ملاقاتها؟ تكاد تكون لوحاتها فعل كتابة مماثلة لكتابة الشعر بل أكثر غزارة، وفي كلتيهما بوح واستغراق في الذات بغية اكتشافها. هذا الاستغراق الذي يبدأ بخط لوني يتبعه خط آخر، ثم حركة تتبعها حركة أخرى، في عمل يدوي متعاقب وحثيث ومتأنٍ، شبيه بعمل الأبرة والدانتيلا المشغولة بعواطف وكلام وصمت، في غزل يطوف إلى أين؟ إلى مشيئة الخط الذي يملأ سطح الورق كله، بتلافيف خيوط تكرّ وتنثني وتنطوي في تجاويف وكهوف ما هي إلا خزائن الذاكرة أو لحظات الحنين واللاوعي واللايقظة. الرسم مع سائر المتجوّلات من الأفكار في حتمية تبدّد الوقت كما تبدّد الفراغ في فلسفة الوجود، بغية القبض على النفس والسير بها نحو تأويلات ما ينبني ويتطور حتى يصل المشهد إلى مطافه الذي يتكلّل غالباً بحبيبات الضوء. هلا شقير (من مواليد بيروت العام 1957) تتحدّث عن وحدتها بكتابات وجدانيّة صارخة وبرؤى سديميّة من إلهامات عالم آخر غير مأهول وغير أليف، عالم غيبيّ غير واقعيّ، مادّته الصخور والمتحجّرات والأشكال الغرائبية والأزهار المنبثقة من أركيولوجيا الأعماق، إلى قيعان ومرتفعات ذات أخاديد وأثلام وسطوح مثل أمواج البحار. هذه الصور تشكل من بعيد مناظر ذائبة في غيومية كونية ذات مظهر تنقيطيّ شفاف (على تماس مع التنقيطيين)، فيما هي مكوّنة من شبكات مربعات هندسية متقاطعة ومتفاوتة الاتساع والعمق والانزياح، تحيل إلى نوع من الهندسة البصرية، التي تأخذ شكلاً تصويرياً وليس تجريدياً على نسق أعمال فناني الأوب - آرت (فازاريللي وبريجيت ريللي وسواهما) التي كانت تهتم بخداع البصر من زوايا علمية رياضية. وفيما نجد أن مبتغى الرسامة هو القبض على نفسها بروح الخيال الشعري، إلا أنها تحقّق ذلك بوعي وإدراك وتصميم، في اتجاه معاكس لبحث الشاعر والرسام هنري ميشو عن الآفاق الغيبية لنفسه التائهة في مدارات الخطوط وعوالمها. إذ تعكس رسومها تصميماً غرافيكياً محكماً بعيداً من العفوية أو العشوائية حيث التسلية العابرة ومجازية الصدفة. بلا شك ثمة أوتوماتيكية في خطوات تنفيذ كل قطعة، ولكنها تندرج كنمط لأسلوب موحّد ينم عن موقف صارم إزاء نوع الخطوط والألوان. لعلّ هنـــاك رابط غير مباشر بين طريقة رسمها ومجال تخصّصها في حقل السينماتوغرافيا (في جامعـــة السوربون - باريس العام 1981)، الذي زاولته بعـــد عــودتها إلى بيروت في العام 1983 حين عملت في قطـــاع الإنتـــاج السينمائي، قبل أن تهاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية في العام 1987 (حيث تعيش وتعمل حالياً)، وتنضم إلى تجمع group art exhibitions»/ Solo» للمعارض في نيويورك.