في ظل التردي الثقافي الذي يجتاح العالم العربي بشكل عام، والذي تعكسه بشكل كبير الملتقيات والمؤتمرات الثقافية التي أصبحت شبه خاوية ومملة حتى في الدول التي كانت تعرف بـ"دول المركز"، مما أثر على قنوات الإعلام المقروء والمرئي والمسموع التي تهتم بالحركة الثقافية بشكل عام. أصبح الحصول على منشط فكري يخرج منه المهتم بالجديد والمفيد، مثل البحث عن "إبرة في كومة قش". إذن والحال هذه، فإن المنشط الذي مازال المثقفون في المملكة يرون فيه بارقة أمل و"ضوء في آخر النفق"، هو معرض الرياض الدولي للكتاب الذي ننتظر شهر "مارس" من كل عام لنطلع على الجديد من الإصدارات المحلية والعربية في المعرض، إلى جانب أنه يمثل أكبر تجمع للمثقفين السعوديين. لذلك من المهم أن تنظر له أعلى الجهات الرسمية في البلد على أنه أبرز واجهة ثقافية للمملكة أمام العالم حاليا، فتوليه اهتماما استثنائيا على مستوى المكان الذي ربما أصبح لا يستوعب جميع طلبات ومتطلبات دور النشر الكثيرة التي ترغب في المشاركة، كذلك الخدمات المقدمة للناشر والزائر يجب أن تتوافق مع أعلى المعايير العالمية، والأهم من هذا هو فتح المجال لدور نشر عالمية مشهورة للمشاركة، وحتى يمكن دعوتها بشكل خاص وتقديم تسهيلات لها للحضور بمؤلفات كبار كتاب العالم سواء مترجمة أو بلغاتها الأصلية، لأن مجرد حضور دور مثل أشهر الدور الفرنسية والأميركية والألمانية، سيجعل المعرض يحظى بتغطية إعلامية وزخم دولي مهم تحتاجه المملكة حاليا أكثر من أي وقت مضى، خصوصا وأن الكثير من أبنائها متهمون في نظر الإعلام الغربي بأنهم مجرد "أدوات إرهابية". الجانب الآخر الأهم، هو العمل بجدية على استعادة المعرض لمساحة الحرية التي كان عليها في دورات سابقة، وربما تقلصت إلى حد ما في الدورة الأخيرة، تبعا للظروف السياسية والتجاذبات الفكرية التي تعصف بالعالم العربي بشكل عام. ولعل ما حدث أخيرا في معرض الكويت الدولي للكتاب أكبر دليل على تأثير صراع التيارات الفكرية والأيديولوجية على صناعة الكتاب والنشر، حتى أضحى موضوع الرقابة على الكتاب العربي "أضحوكة" لا يمكن أن يتصور أحد أن تحدث في بلد رائد في المجال الثقافي مثل الكويت. فكيف بنا ووطنا من أكثر البلدان العربية تنازعا أيديولوجيا وحركيا؟ هي دعوة محب، للجهات الرسمية المؤمنة بأهمية الثقافة والفكر في صناعة الأوطان.. ابعدوا معرض الرياض للكتاب عن أي صراع فكري أو أيديولوجي، واتركوه الواحة الأخيرة التي تتلاقى فيها جميع الأفكار ـ التي لا تدعو للقتل والتدمير. فلماذا لا يكون هذا المعرض أحد أهم استراتيجياتنا الوطنية لتحسين الصورة في العالم، وجعله التطبيق العملي لحوار الثقافات والأديان الذي تتبناه المملكة في كل مكان. alamer@alwatan.com.sa